Politics

رغم كثرة ما كتبه علماء المسلمين من فكر وفقه سياسي فقد عانى هذا التراث من جوانب قصور مزمنة يتعلق بعضها بالمنبع، وبعضها بالسياق التاريخي، وبعضها بمنهج التناول:

  • فمن حيث المنبع كان جانب الأصالة والتأصيل في تراثنا السياسي ضعيفا، حيث طغى المنبع الساساني ثم المنبع اليوناني بدرجة أقل على التنظير الإسلامي في السياسة، وأدى ذلك إلى ضعف مزمن في الاستمداد من الكتاب والسنة استمداد مباشرا في التنظير السياسي.
  • ومن حيث السياق التاريخي جاء تدوين الفقه السياسي الإسلامي في عالَمٍ يعرف منطق الامبراطوريات القهرية، ولا يعرف معنى الدول الحرة ذات السلطة الشرعية، فخضع المنظرون المسلمون في السياسة لمنطق الواقع، وأضفوا عليه الشرعية، بدلا من نقده والسعي لتجاوزه.
  • ومن حيث منهج التناول ساد في التراث السياسي الإسلامي النظر الجزئي، وإهمال القيم السياسية الكلية من عدل وحرية ومساواة بين الحاكم والمحكوم أمام القانون.

وهكذا لم يهتم التراث السياسي الإسلامي -إلا لماماً- ببحث مسألة السلطة من جذورها باعتبارها عقدا اجتماعيا، ولا بالتكييف الأخلاقي الصحيح للمنصب العام باعتباره أمانة عامة، لا مِلْكية خاصة. إننا في مسيس الحاجة اليوم إلى إحياء القيم السياسية الإسلامية التي وقع عليها الحيف التاريخي، والإسهام في إخراج المجتمعات ذات الغالبية المسلمة من الفوضى السياسية الحالية، وجعلها مجتمعات أكثر إنسانية وعدلا. ولن يكون ذلك إلا بصناعة وعي سياسي عام يجمع بين التأصيل الشرعي والتحليل العملي، وصياغة رؤيةٍ شاملة تنبني على مقاصد الشريعة الكلية، وتأخذ في الاعتبار الظاهرة السياسية في سياقاتها الاجتماعية والحضارية. وهذا ما ستسعى وحدة الأخلاق السياسية بمركز التشريع الإسلامي والأخلاق إلى الإسهام في تحقيقه، عبر مشاريعها البحثية وبرامجها العملية، طبقا لرؤية المركز ورسالته.