لا تزال التطورات التي يحققها مجال الطب الحيوي تمارس تأثيرا واضحا على تصوراتنا واستيعابنا لمفاهيم مركزية في حياة كل منا مثل مفاهيم الصحة والمرض والحياة والموت بل وحتى على مفهوم “الإنسان” ذاته. وقد فرضت هذه التطورات التقنية وانعكاساتها الأخلاقية حضورا ملموسا يدركه تقريبا كل من يعيش على كوكب الأرض بما في ذلك المسلمون سواء كانوا في بلاد ذات أغلبية مسلمة أو في أي بقعة أخرى من هذا الكوكب. أظهرت الأبحاث الأكاديمية المعاصرة أن طريقة استقبال الناس لهذه التقنيات الحديثة وتفاعلهم معها غالبا ما يتشكل من خلال ما يسمى بــــــ “المنظومات الأخلاقية التي تتم صياغتها في البيئة المحلية” وهي خليط متشابك من المفاهيم والقيم ذات الأبعاد الدينية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية والسياسية. وقد بدا واضحا- نظرا لعوامل مختلفة ومتعددة- مدى صعوبة وتعقيد التعامل مع التحديات الأخلاقية التي أفرزتها هذه التقنيات الحيوية المعاصرة والمتسارعة من خلال منظور إسلامي. مع بداية الثمانينات قدم فقهاء الإسلام بالتعاون مع الأطباء إسهاما رائدا في هذا المجال من خلال منظومة الاجتهاد الجماعي كما هو الحال في عدد من دورات المجامع الفقهية حيث تمت مناقشة عدد من الأسئلة الأخلاقية التي أثارتها التقنيات الطبية والحيوية المعاصرة مثل زراعة الأعضاء والتلقيح الصناعي والاستنساخ وإجراء الأبحاث على الخلايا الجذعية. يسعى مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق إلى القيام بأبحاث أكاديمية ذات طابع تحليلي-نقدي للنقاشات التراثية والمعاصرة التي عالجت القضايا الأخلاقية الطبية والحيوية من منظور إسلامي. كما يسعى المركز إلى عقد نقاشات ومداولات معمقة حول عدد من القضايا الجديدة في هذا المجال من خلال طرح ومعالجة أسئلة نقدية لا تتعلق فقط بمجال التراث والفكر الإسلامي وإنما أيضا بمجال الأخلاق الطبية والحيوية بشكل عام مثل: ما مفهوم “الإنسان” وكيف يمكن مقاربته في هذا العصر الذي تمكن فيه التقدم العلمي من تحويل أمور لم تكن حتى تخطر على البال إلى ممارسات روتينية في حياتنا اليومية؟