مجالات البحث
Detailed report on International Seminar "Key Concepts in the Islamic Ethical Tradition: Semantics, Methods and Approaches"

تعد المفهومات والمصطلحات في كل علم مدخلاً أساسياً لفهم بنيته النظرية والكشف عن منظوره الكلي لموضوعاته، و"الأخلاق الإسلامية" كحقل أساسي من العلوم الإسلامية، ما يزال بحاجة إلى دراسات وتحليلات معمقة لمفهوماته واصطلاحاته المنثورة في النصوص أو العلوم التي كان الأخلاق موضوعاً لها. وإن النماذج القليلة من الدراسات عن المفهومات الأخلاقية-الإسلامية على قلتها تعكس أهمية متابعة هذا الحقل والتعمق فيه، من هنا تأتي أهمية تنظيم هذه الندوة الدولية التي عقدها مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق عن "المفهومات الأخلاقية في النصوص والتراث الاسلامي: الدلالات والمناهج والمقاربات"، وذلك أيام 1-3/ 12/ 2019م، وشارك فيها باحثون من المغرب والجزائر والنروج وألمانيا وبلغاريا وسورية وقطر. وقد ناقشت الندوة قضايا نظرية ومنهجية في دراسة المفهومات الأخلاقية، ونماذج من المفهومات أو الحقول الدلالية في النصوص والتراث الإسلامي، أو عابرة للتخصصات.

افتتحت الندوة بكلمة عامة للمدير الأكاديمي في المركز د. محمد غالي  تحدث فيها عن نشاطات المركز واهتماماته البحثية، وعن أهمية موضوع الندوة ضمن اهتمامات المركز. ثم تلتها أعمال الندوة كالتالي:

 

أعمال اليوم الأول

بدأت أعمال اليوم الأول بمحاضرة افتتاحية قدمها منسق الندوة الدكتور عبد الرحمن حللي (جامعة فرانكفورت) عن  "دراسة المفهومات والنظرية الأخلاقية: أسئلة منهجية" تطرق فيها إلى الإضافة التي يمكن أن تقدمها دراسة المفهومات الأخلاقية في النصوص والتراث في دراسة النظرية الأخلاقية الإسلامية، وتوقف عند بعض الإشكالات المنهجية التي تعترض دراسة المفهوم الأخلاقي، من ذلك تردد المفردات الأخلاقية بين مصطلح مستقر علميًا، وبين مفهوم إشكالي يكتنفه الغموض، وتساءل إلى أي مدى تتم دراسة هذه المفاهيم بهموم حداثية نعيشها؟، أم يتم توسلها لإعادة بناء نظرية أخلاقية إسلامية قادرة على الإجابة على اسئلة العصر المستجدة؟، ومع تأكيد المحاضر على مشروعية تلك الخلفيات حذر من الوقوع في فخ إسقاط الحاضر على الماضي وعلى النصوص، كما نبه إلى مشكلات منهجية تتمحور بالخصوص حول علاقية المفهوم بالبعد اللغوي وبالبعد السياقي، سواء في ذلك من الناحية البنيوية أو الناحية التاريخية، قبل النص وضمنه وبعده، وفي التراث أيضًا. وختم مداخلته بالتأكيد على أن دراسة المفهوم الأخلاقي الإسلامي ضرورية وهامة في لما تقدمه من إجابات مركزية في بناء النظرية الأخلاقية من حيث ضبط الدلالات الأساسية التي تبنى عليها التصورات الأخلاقية، وضبط التطور التاريخي لمكونات المسألة الأخلاقية، وتحرير نوى الفِكَر والمنظورات الأخلاقية – الإسلامية من مصادرها ووضعها في سياق قابل للفرز بين قيم أساسية موجهة وأخرى عملية متطورة.

الورقة الثانية كانت للدكتور غسان المصري (جامعة برلين) عن "الأخلاق القرآنية بين المعرفة (الإبستيمولوجيا) والآخرية (الاسكتالوجيا) حاول من خلالها إثبات أن القرآن استجاب لثقافة ما قبل الإسلام بأبعادها العربية واللاهوتية (الكتابية)، معتمدًا في ذلك على تحليل أصل الدلالة وتفسير القرآن بالقرآن، وصولا إلى تقرير ما يكتنفه المفهوم القرآني من دلالة فلسفية ونفسية ومعرفية، واتخذ لذلك نموذجًا يتصل بالأمور الأخروية في القرآن في بعدها الأخلاقي (الخوف والرجاء)، ودور المعرفة في الاختيار الأخلاقي الصحيح في ذلك، مقابل دور الهداية الإلهية، وقد تطرق في دراسته إلى أمثلة تطبيقية من المفردات القرآنية ذات الصلة، متتبعًا دلالاتها المتطورة، ووظيفتها الأخلاقية في النص القرآني .

في الورقة الثالثة عرضت الدكتورة لينا سلايمة (معهد ماكس بلانك – هامبورغ) ورقتها عن "الترجمات العلمانية للتراث الإسلامي: (دين) تحويل الشريعة الإسلامية إلى "الشريعة" والأخلاق"، وترى أن الترجمات المتعلقة بالدين والتراث الإسلامي تنزع عنه الصفة الأخلاقية عندما تختزل الدلالة عليه بمفردات قانونية علمانية ذات خلفية استعمارية، وتعرض أمثلة على ذلك مفردات الدين والشريعة والتقليد.

الورقة الرابعة كانت الدكتور إيفان ديولجيروف (جامعة صوفيا) عن "الدين في المفهوم القرآني ومبدأ عدم الإكراه"، انتهت إلى التأكيد على ثلاث نقاط رئيسية: أن المفهوم القرآني للدين ذو بعد أخلاقي يتعلق بالكون، وأنه يمكن تمييزه عن أي نوع من السياسات أو الأيديولوجيا. وأن الحديث عن جماعة المؤمنين في القرآن يأتي في سياق ما يساعدهم على أن يكونوا صالحين ومتدينين، لكن الانتماء إلى الجماعة المؤمنة لا يضمن خلاص الشخص، ولا قيمة له عند الله لأن سجل الأعمال هو الذي يحدد المصير، ويشبر ثالثًا إلى أن مبدأ عدم الإكراه في الدين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإرادة الحرة للبشرية ومساءلتها.

 

أعمال اليوم الثاني

افتتحت اعمال اليوم الثاني بالورقة الخامسة للأستاذ  شفيق اكريكر (جامعة الحسن الثاني، المغرب)، عن: "مرء" و"إنسان": بحثًا عن مفهوم الذات ا لأخلاقية في القرآن"، والتي رأى فيها أن لفظ "مرء" في القرآن يشتمل على الفاعلية وعلى الكيان الأخلاقي بخلاف لفظ الإنسان، وعزز استنتاجه بما يشتمله اللفظ في الموروث العربي كنواة دلالية تتضمن معنى الفردية الذاتية وما يستتبعها من معان مثل "الكرامة الشخصية."، ورأى أن هذه الخاصية الفردية علة الاختيار القرآني للدلالة على معنى الذات الأخلاقية المسؤولة بعد إضافة معان أخرى متواشجة مع هذه النواة، تتجاوز المعنى في الشعر الجاهلي الذي يركز على فكرة الفردية بالمعنى الوجودي، لتصبح في السياق القرآني الفردية بالمعنى الإيتقي؛ أي كائن مسؤول وهذه إضافة قرآنية خالصة، واشتماله على معاني الفردية والمسؤولية والكرامة سيجعله أقدر من لفظ "الشخص" على تأدية المعاني التي ينطوي عليها مفهوم الذات الأخلاقية في الفلسفة الحديثة.

تلتها الورقة السادسة للدكتور رشيد بوطيب (معهد الدوحة للدراسات العليا) عن "الجوار كمفهوم أخلاقي: دراسة في التراث الإسلامي والفلسفة"، والتي حاجج فيها أن أخلاقيات الجوار كما تعبر عنها الأديان التوحيدية عموما، والاسلام خصوصا، تؤسس لإيتيقا منفتحة، لا تطلب الهيمنة على الآخر، وأن من شأنها، أن تقدم جوابا على التحديات التي تطرحها مجتمعات الهجرة أو المجتمعات المتعددة عموما، ويعتمد الباحث في دراسته على مفهوم "الوجه" لدى ليفيناس كمقاومة ايتيقية لامبريالية الشبيه، ويعتمد مقاربة جديدة يسميها "الايتيقا النقدية"، والتي تحول دون السقوط في الثقافوية. ويرى الباحث أن "إيتقيا الجوار" تتجاوز الأفق المغلق للهوية أو الهويات، لتتحقق فيما وراء الهوية والاختلاف، ويعتمد في تأصيل مفهوم الجوار الإسلامي على أسس التقوى والعمل الصالح في القرآن حيث يتحقق الإيمان من خلالها، بمعنى العيش من أجل الآخرين.

الورقة السابعة كانت للدكتورة نورا إيغين (جامعة أوسلو) عن "الأمانة كمفهوم أخلاقي"  وترى فيها أن الفكرة القرآنية عن الأمانة تتصل بمجالين مفهومين متداخلين جزئياً: الأول الأمانة بمعنى العهد الإلهي والثاني الأمانة ب§معنى الثقة كقيمة اجتماعية أخلاقية وما يتعلق بهما من ربط بالمرادفات والمتضادات. وتفحص الباحثة المفهوم من خلال كتب الفضائل ومكارم الأخلاق (ابن ابي الدنيا والخرائطي) ثم الكتب التنظيرية في الأخلاق (الماوردي والغزالي)، وترى أن المفاهيم القرآنية المتعلقة بالمعنى الأول (العهد الإلهي / الأمانة) لعبت دورًا حيويًا في الصياغة المبكرة لأخلاق الفضيلة، ثم طرأ تحول في مفاهيم الأمانة / الثقة بعد إدخال الأخلاق الأرسطية إلى الوسط الفكري للمجتمعات الإسلامية في القرنين الرابع والخامس / التاسع والعاشر، حيث دمجت مفاهيم وأفكار من التقليد الفلسفي اليوناني مع مواد من المصادر الإسلامية التأسيسية، فلم يأخذ مفهوم الأمانة مكانه البارز الذي كان يحتله مبكرا.

في الورقة الثامنة حاولت الأستاذة آلاء سرحيل (سورية) في ورقتها عن "المفهومات الأخلاقية القرآ نية المتصلة بدفع الأذى: الحقول الدلالية ودلالاتها الأخلاقية" صياغة تصور كلي للرؤية القرآنية لأخلاق دفع الأذى وذلك وفق مستويين: نظري يؤكد على تقرير القرآن الأذى كظاهرة مستمرَّة ومطردة وأن مدافعته سنَّة إلهيَّة ملازمة لسنَّة الابتلاء، مع التأكيد على أهمية التوكل على الله في دفعه،  وأن دفع الأذى وإزالته من مقاصد القرآن الكبرى. والمستوى الثاني: الجانب العملي والذي يؤسس منهج دفع الأذى  بحسب نوعه، فيختلف باختلاف الموارد والحالات والأشخاص وردود الفعل المتوقعة ما يقتضي التقدير لكلِّ حالة على حدة على أن كل أنواع  الدَّفع المشروع مشروطة بالتنزه عن الظلم والاعتداء، وقد ناقشت الباحثة تفاصيل ذلك من خلال دراسة الحقول الدلالية المتعلقة بدفع الأذى في القرآن الكريم.

 

أعمال اليوم الثالث

افتتحت أعمال الندوة في يومها الثالث بمناقشة الورقة التاسعة، للدكتورة شفيقة وعيل (الجزائر-المعهد الألمانيّ للأبحاث الشّرقيّة – بيروت)، "نحو أخلاق القلوب: الحُبُّ بديلًا أخلاقيًّا في التّجربة الصّوفيّة " والتي تناولت قضيّة الانتقال المفهوميّ لدرس الأخلاق بين المدارس الإسلاميّة من جهة والمنحى الصّوفي من جهة أخرى. تحاول الباحثة الحفر في ملامح هذا الانتقال من حيث التباين في بناء مفهوم الأخلاق ومصدرها أنطولوجيًّا. ثمّ تبحث في تجلّيات هذا الانتقال في الجانب العمليّ من التصوّف في ثنايا المسائل العقديّة التي استبدل فيها التصوّف النّظر العقليّ بالنّظر القلبيّ أو المحبّة، وتضيء انزياحها من كونها قيمة عقليّة إلى كونها قيمة قلبيّة. فالتّصوّف قدّم معارف تجريبيّة تحمل ملامح تأطيريّة أنطولوجيّة للقيمة الأخلاقيّة. كما في التّجربة الأخلاقيّة للنفّريّ، وذلك من خلال نموذج المحبّة الذي يسعى في أصليّته وغائيّته إلى تحقيق كونه انعكاسًا للأخلاق الإلهيّة.

ثم نوقشت الورقة العاشرة للدكتور حفيظ هروس (المغرب)، عن "الغنى كمفهوم أخلاقي عند المتصوفة"، والذي تتبع فيها التطور الدلالي لمفهوم الغنى عند الصوفية والمدلولات الأخلاقية التي غدا يحملها عندهم، ورأى أنهم  لم ينظروا إليه فقط باعتباره مقاما يسعى السالك لتحصيله في خاصة نفسه، ولكنه أيضا خلق في التعامل مع الناس، وتعاليا للنفس عن الانبهار بمظاهر الإثراء المادي، وهو بذلك يُجيب على الكثير من التحديات والأمراض التي تطرحها الاضطرابات السلوكية المرتبطة بالقيم المادية. لكن قبل أن يستقر هذا المفهوم على هذه الدلالات مرّ بمراحل عديدة، ابتداء من الشعر العربي المبكر والقرآن والسنة وصولا إلى النظرية الصوفية المكتملة، حيث يقدم مفهوم "الغنى" خلقًا عمليًا يتكئ على القناعة والرضا بالموجود واليأس مما في أيدي الناس واليقين فيما عند الله. بديلا عن هوس الثراء والغنى بالإنسان.

 واختتمت أعمال الندوة بالورقة الحادية عشرة  للأستاذ الدكتور عيسى العاكوب (جامعة حلب – سورية)، عن "الشكر مفهومًا أخلاقيًا في التصوف الإسلامي: الدلالة والمنظورات" حيث حلل تطور المفهوم من الحياة العربية قبل الإسلام بوصفه مقابلًا للكُفْر وصولا إلى تطور حركةَ المفهومِ في خِضَمِّ التّطوّرِ الرّوحيِّ والعقليِّ والسُّلُوكيّ الذي شَهِدَه العرَبُ منذُ جاهليّتهم الأولى حيث كان يعني الاعترافَ بِحَقِّ المُنعِمِ البشَريّ، إلى أن صار يعني الاعترافَ بِفَضْلِ المُنْعِمِ الأَوْحَدِ الفَرْدِ. وبدءًا من منتصف القرن الثاني الهجري أخذ الشُّكْرُ صفة مقام بَيْنَ المَقاماتِ الصّوفيّةِ، ليصبح مع الغزالي صفة لكُلُّ فِعْلٍ وافقَ مُقتضَى الحِكْمة.

ثم ناقشت الجلسة الختامية للندوة مجمل أعمال الندوة، وآفاق تطوير البحوث لنشرها لاحقًا في عدد خاص من مجلة الأخلاق الإسلامية التي يصدرها المركز.

أضف تعليقاتك

Your email address will not be published*

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.