د. بوحنية قوي

غياب البعد الأخلاقي الدولي  في إدارة الملف البيئي  بالقارة الإفريقية

أي اثر لتغييب للحوكمة البيئية العالمية؟

الدكتور بوحنية قوي*

[تم تقديم هذا البحث في مؤتمر مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق المنعقد بالدوحة في 23 مارس 2019]

مقدمة

تعيش  الآليات   القانونية  الدولية في مجال حماية البيئة  أزمة أخلاقية كبيرة ويعود  ذلك لاعتبارات بعضها مرتبط بتملص الدول الكبرى  وعدم وفائها بتعهداتها المالية في مجال السياسات البيئية خصوصا تجاه  الدول النامية وإفريقيا تحديدا. ولعل أخر هذه السياسات الانكفائية وغير الأخلاقية هو انسحاب   الولايات المتحدة الأمريكية  من اتفاقية المناخ في باريس  في يونيو 2017  مما  ادخل مفهوم المعضلة الأخلاقية البيئية  في النقاشات السياسية الدولية .

 كشف التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن أنشطة التكيف في إفريقيا، عن أن الدول الإفريقية ستواجه فجوة تمويلية، فيما يتعلق بتنفيذها لخطط وبرامج التكيف مع تغير المناخ، لا تقل عن 12 مليار دولار سنويًّا حتى عام 2020، لتتضاعف بعد ذلك باستمرار.

 وهو ما طرح مفاهيم الإنصاف الأخلاقي البيئي ، هذا الأخير –أي  الإنصاف -يقتضي تقديم كافة أوجه الدعم الدولي، من تمويل وتكنولوجيا وبناء للقدرات، ونقل للخبرات لمساعدة الدول الإفريقية على مجابهة الأعباء المرتبطة بالتكيف مع تغير المناخ، لاسيما أن إفريقيا هي الأقل تســــببًا في الانبعاث الحرارية، والأكثر تضررًا من تداعياتها. 

ولحل هذا الإشكال طرحت مفاهيم الحوكمة البيئية لإضفاء مفاهيم المساءلة والشفافية والمسؤولية الأخلاقية والاجتماعية للمؤسسات الدولية  والدول في أنشطتها المتعلقة بالمجال البيئي . وذلك بعد استشراء الجرائم البيئية التي حددها التقرير المشترك بين الانتربول وبرنامج الأمم للبيئة لعام  2016 والتي قدرت قيمتها النقدية في عام 2016 ما بين 91-259 مليار دولار أمريكي سنوياً.

 يحاول الباحث معالجة الإشكالية التالية: ماهي مظاهر المعضلة الأخلاقية في مجال رسم السياسات البيئية الدولية وما أثرها على خطط الرعاية والإنماء البيئي بالدول النامية ودول إفريقيا؟

أولا:  في أصل الاشكالات البيئية بالقارة الافريقية محاولة للفهم

تتعرض القارة السمراء إلى تهديدات ذات بُعد مناخي وهي ترتبط ببيئة استقرارها المستقبلي، ورغم انعقاد العديد من المؤتمرات الدولية لتتبع ومكافحة الظواهر البيئية السلبية في القارة الإفريقية إلا أن القوى العظمى لم تَفِ بالتزاماتها المالية تجاه القارة المنتهكة بيئيًّا وأمنيًّا وسياسيًّا والذي تحولت على اثر هذه الاختلالات الى أكثر القارات من حيث الهشاشة والفشل    وتنامي المعضلات البيئية ذات العلاقة بالأمن الانساني .

ويُنتظر أن تضخ القوى الكبرى ما يتجاوز مئة مليار دولار لدعم الاقتصاد الإفريقي لتجاوز الأزمات المناخية في الإطار البيئي وهو الاتفاق الذي تم التوصل إليه عقب قمة المناخ في باريس في 12 ديسمبر/ كانون الأول   2015. ([1]) 

وتستند الدول النامية إلى معاهدة الأمم المتحدة للمناخ مطالِبة بتمويل الانتقال إلى الطاقات الخضراء والتكيف مع نتائج التغيرات المناخية، وتخشى دول المجموعة من محاولات دفعها لفرض رسوم على استهلاك شعوبها لوسائل الطاقة الاعتيادية مما يترتب عليها تبعات اجتماعية لا ترغب في الوصول إليها. ووعدت الدول الغنية في 2009 بزيادة مساعداتها لتصل في 2020 إلى مئة مليار دولار سنويًّا. ويفيد تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأن مساعداتها بلغت 62 مليارًا في 2014، والدول النامية تريد أن تتسلم فعلًا مبلغ 100 مليار دولار سنويًّا، الذي وعدت به دول الشمال حتى العام 2020، وأن يزيد هذا المبلغ تدريجيًّا بعد هذا الموعد مع تخصيص جزء كبير من هذه الأموال، للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ.

 ترتبط درجة الاستقرار السياسي والأمني حاليًّا بجزء كبير من المكونات البيئية للدولة الحديثة؛ إذ إن الدول التي تعيش تقلبات مناخية واضطرابات بيئية تتأثر بنيتها الاقتصادية والأمنية تحديدًا بعناصر الاضطراب البيئي، وتواجه إفريقيا عناصر الهشاشة والانكشاف سنويًّا وفق مؤشرات قياس الهشاشة والفشل وتُظهر الدراسات التبعية حجم التأثير المتبادل بين الفشل والهشاشة وعدم قدرة الدولة على تجاوز أزماتها البيئية. 

ينطوي مفهوم الأمن البيئي على فكرة جوهرية مفادها مقاومة الندرة الناجمة عن إفساد الإنسان للمحيط الطبيعي بالاستغلال المفرط أو بالصراع و التنازع وهو ما يؤدي إلى شيوع حالة الأمن واحتمال استمرارها لأمد طويل ما من شأنه أن يؤدي إلى تغيير المسار المفترض الحياة الطبيعية كانقراض السلالات الحيوانية وتفاقم المشاكل البيئية وأحسن مثال على هذا ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري الذين صنفا من قبل الهيئات الدولية كتهديد رهيب للسلم والأمن الدوليين وتم تصنيفهما كقضايا أمنية بامتياز استرعت اهتمام القمم و المؤتمرات التي انصبت على مناقشة هذا التهديد غير الكلاسيكي وغير المألوف ساعية إلى تنشيط أسبابه باستخدام كافة الوسائل. [2] 

ومع مرور الوقت أضحت إفريقيا مصدرًا لعدم الاستقرار والدفع بنوع حرج من أنواع اللجوء وهو اللجوء البيئي، وهو ما تُظهره الأرقام المتزايدة التي تُسجَّل سنويًّا في إفريقيا بسبب سوء الأحوال الجوية وتزايد الاحتباس الحراري وتنامي تلوث الماء والهواء وهو ما ولَّد الصراع على الثروات الناضبة. 

وتشير دراسات الأمن الحديثة إلى أن هناك علاقات تلازم بين التغيرات المناخية ودرجة الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة الحديثة خصوصًا عند الحديث عن دول إفريقيا، وبهذا الصدد يوضح الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي محمد مهدي عاشور أن التغيرات المناخية في إفريقيا قد تهيئ الظروف الملائمة لنشوب الصراعات إلا أن قرار الانخراط في الصراع يظل رهين العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، تشير الدراسات إلى أن عدد اللاجئين الذين سيهجرون مناطقهم بفعل الكوارث البيئية سيتجاوز 300 مليون بحلول 2050 وهي الفئة التي يُطلَق عليها: المهاجرون البيئيون الذين يمثِّل الأفارقة النسبة الأكبر منهم [3].

يرى الباحثون في مجال النازحين واللاجئين أن إفريقيا من أكثر القارات التي تعاني من تفشي ظاهرة اللاجئين البيئيين حيث يقدر عدد ضحايا الهجرة القسرية في إفريقيا 25 مليون شخص منهم 10 ملايين لاجئ و 15 مليون نازح و تظم إفريقيا عددا من الدول المستضيفة للاجئين و أخرى مصدرة لهم أي متسببة في لجوؤهم وتحديد ستة دول باعتبارها من أكثر الدول المصدرة للاجئين في إفريقيا: سيراليون 450 ألف الصومال 419 ألف، السودان 374 ألف (قبل أزمة دارفور) اريتريا 320 ألف، بورندي 300 ألف (إبان أزمة البحيرات ) انغولا 255 ألف لاجئ حيث يؤثر تغير المناخ بشكل كبير على الهجرة بثلاث طرق مختلفة: 

- تأثير ارتفاع الحرارة والجفاف في بعض المناطق يؤدي إلى الحد من إمكانية القيام بالزراعة بالإضافة إلى تقويض خدمات النظم الايكولوجية كالمياه النقية والتربة الخصبة.

- يمتد تأثير الزيادة في حوادث الكوارث المناخية وبالأخص الأمطار الغزيرة وما يتبعها من برق أو فيضانات نهرية في المناطق الاستوائية غالى التسبب في نزوح جماعي.

- يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تدمير مناطق ساحلية شاسعة ومنخفضة تمثل موطنا لملايين من الأشخاص الذين سيضطرون إلى الانتقال نهائيا إلى مكان آخر.

وفي هذا الصدد تطرح الإشكالية عن مكانة اللاجئين البيئيين في القانون الدولي وعن إي حماية يوفرها لهم المنتظم الدولي على غرار اللاجئ السياسي والأمني وحسب الإحصائيات فانه خلال منتصف التسعينيات اضطر حوالي 25 مليون شخص للهجرة البيئية نتيجة تدهور البيئة والكوارث الطبيعية.[4]

وفي دراسة جماعية تناول فيها الباحثون العلاقة بين التغيرات المناخية والحروب الأهلية في إفريقيا خلال الفترة 1981-2002 توصلت إلى أن ارتفاع معدلات درجات الحرارة يزيد من احتمالات الحرب الأهلية، وذهبت الدراسة إلى أن ارتفاع درجة الحرارة درجة واحدة يزيد احتمالات اندلاع الصراع بنحو خمسين في المائة، واستنادًا إلى تلك النتائج توقع الباحثون ازدياد معدل الحروب الأهلية في إفريقيا عام 2030 بنسبة 55 في المائة عمَّا كان عليه سنة 1999، وأن عدد ضحايا تلك الصراعات سيقترب من نصف مليون قتيل. والجامع المشترك فيما سبق أن المناخ فاعل أساسي في التأثير على الحياة الإنسانية في دول إفريقيا تحديدًا [5]. 

ثانيا:  قمة المناخ الدولية وتملُّص من التعهدات الدولية للقوى الكبرى ومشاريع إقليمية متأرجحة

أقرَّ ممثلو 195 بلدًا في المؤتمر العالمي لتغير المناخ، المنعقد في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني واختُتم في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، في العاصمة الفرنسية، باريس، اتفاقًا دوليًّا غير مسبوق للتصدي للاحتباس الحراري، وأعلن رئيس قمة المناخ، وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس: "تم تبني اتفاق باريس حول المناخ". 

ومن الجدير بالذكر أن أكثر الدول تضررًا بالتغيرات المناخية هي دول إفريقيا التي تعاني من ظروف بيئية خانقة كما أنها لا تملك الأدوات والميكانيزمات الهيكلية والمؤسساتية الكفيلة بالتصدي للأزمات البيئية المرتبطة بالاحترار -ارتفاع درجة الحرارة- وما تسببه من ظواهر اجتماعية واقتصادية عويصة. 

لقد كشف التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن أنشطة التكيف في إفريقيا، عن أن الدول الإفريقية ستواجه فجوة تمويلية، فيما يتعلق بتنفيذها لخطط وبرامج التكيف مع تغير المناخ، لا تقل عن 12 مليار دولار سنويًّا حتى عام 2020، تتضاعف بعد ذلك باستمرار. 

وإضافة لما سبق، فإن الإنصاف يقتضي تقديم كافة أوجه الدعم الدولي، من تمويل وتكنولوجيا وبناء للقدرات، ونقل للخبرات لمساعدة الدول الإفريقية على مجابهة الأعباء المرتبطة بالتكيف مع تغير المناخ، لاسيما أن إفريقيا هي الأقل تســــببًا في الانبعاثات الحرارية، والأكثر تضررًا من تداعياتها. كما أن عدم توصل الجهود الدولية - بقيادة الدول المتقدمة- إلى المستويات المطلوبة، يزيد من تفاقم مشكلة التكيف، ومن أعباء الدول الإفريقية للتعامل معها.[6] 

وفي سبيل متابعة تنفيذ مخرجات قمة باريس تم عقد مؤتمر مراكش للتغير المناخي في الفترة الممتدة بين 07-08 نوفمبر2016  بالمملكة  المغربية بمدينة مراكش والذي يعتبر الاجتماع الثاني و العشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (cop22) يعتبر هذا المؤتمر مؤتمرا التنفيذ على أساس أن الأولوية تنضب على تنفيذ اتفاق باريس 20015 وكانت ابرز مخرجات قمة مراكش اعتماد ثلاث وثائق اقترحتها المغرب والتي تتمثل في:

  1. أ- وثيقة نداء مراكش للعمل وهي وثيقة سياسية تتناول تعزيز الجهود الدولية و الطموح لمواجهة التغيرات المناخية .
  2. ب- وثيقة الأمن والاستقرار والاستدامة في إفريقيا الصادرة عن القمة عقدها العاهل المغربي لرؤساء الدول والحكومات الإفريقية على هامش القمة والتي تتناول تأثير ظاهرة التغير المناخي على السلم، و مسالة الأمن وقضايا الهجرة والإرهاب في القارة الإفريقية .
  3. ج- الوثيقة الخاصة بمبادرة المغرب بشأن التكيف في قطاع الزراعة في إفريقيا.

من بين الانتقادات التي وجهت لهذا المؤتمر أنه لم يحقق نتائج حاسمة خاصة على الصعيد التزام الدول المتقدمة بتخفيض الانبعاثات إلى غاية سنة 2020 وتقديم الدعم للدول النامية ومنح اهتمام أكبر لأنشطة التكيف بالتوازي مع إجراءات خفض الانبعاثات. رغم تأكيد الدول المشاركة في قمة مراكش على الالتزام بتنفيذ قرارات اتفاق باريس أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شهر جوان 2017 انسحابه من اتفاق باريس وهو أمر كان متوقع حيث تحجج ترامب بمجموعة من الحجج التي تبرر انسحابه على أن الالتزام يتسبب في خسارة الاقتصاد الأمريكي الكثير من الوظائف بسبب الاشتراطات البيئية خاصة فيما يتعلق بقطاع إنتاج الفحم والذي يتركز في الولايات التي مثلت قاعدته الانتخابية متجاهلا حقائق متعددة متعلقة بهذا العد منها: إن عدد الوظائف التي يوفرها قطاع الطاقة البديلة في الولايات المتحدة يمثل بحسب دراسة صادرة عن وزارة الطاقة الأمريكية في عام 2016 حوالي 3 أضعاف عدد الوظائف التي يوفرها قطاع إنتاج الفحم وان القطاع الأول في طريقه للنمو المستقبلي بسبب اتجاه العالم كله بشكل متزايد لاستخدام الطاقة البديلة بينما الفحم يتجه للاندثار لعدة عوامل ليس أقلها طفرة توافر الغاز الصخري في الولايات المتحدة كمصدر ارخص وأنطف للطاقة وعليه سوف يؤثر انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ سلبيا على موقف إدارة "ترامب" داخليا وخارجيا منه على مستقبل الاتفاقية نفسها وسواء تصدى قيادة العالم في هذه القضية  دولة أو مجموعة من دول فان ذلك مؤشر أولي على استعداد النظام الدولي لترتيب أوضاعه للتكيف مع الميول الانسحابية لإدارة ترامب ورغم أن هذه التفاعلات تبدو مرتبطة في الوقت الحالي بقضية واحدة هي تغير المناخ فمن المتوقع أن تنسحب إلى توازنات القوة في النظام الدولي ككل بحيث يظهر بصورة اكبر دور كيانات لادولاتية مثل تنظيمات المجتمع المدني العالمي والشركات المتعددة الجنسيات من جانب و تزداد أهمية قوى صاعدة مثل الصين من جانب آخر بينما يسعى النظام ككل للتكيف مع هذه التحولات مع تراجع متوقع وربما انعزال دبلوماسي للولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس ترامب في المجال البيئي وهو ما سيعرقل جهود الأمم المتحدة في أمننة ظاهرة التغير المناخي [7].

في هذا الإطار أقرَّت سفيرة جنوب إفريقيا، نوزيفو مساكاتو ديسيكو، رئيسة مجموعة الـ77 والصين التي تعد من أهم الجهات الفاعلة في القمة أن "مسألة التمويل حاسمة". وهذه المجموعة التي تضم بلدانًا فقيرة وناشئة متضررة من الخلل في المناخ والظواهر الناجمة عن ذلك لكنها تملك أقل الوسائل لمواجهة ذلك. 

ووعدت الدول الغنية في 2009 بزيادة مساعداتها لتصل في 2020 إلى مئة مليار دولار سنويًّا. ويفيد تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأن مساعداتها بلغت 62 مليارًا في 2014.

من جهة ثانية أصدر خبراء في تغيرات الطقس والمناخ خرائط تبيِّن البلدان الأكثر استعدادًا في العالم للتعامل مع آثار تغير المناخ. 

وتم تصنيف 192 دولة على أساس قدرتها على التأقلم مع التغيرات المختلفة في المناخ، وكشفت النتائج أن الدول الإسكندنافية والمملكة المتحدة هي من بين أكثر الدول المناسبة للحياة مع تغير المناخ، في حين أن العديد من الدول الإفريقية ومناطق الصحراء الكبرى هي الأكثر تضررًا. 

وقال جون إيتنج، وهو أحد الخبراء الذين شاركوا في وضع الخرائط: "الأعاصير والزلازل والعواصف الثلجية، وموجات الجفاف والفيضانات كلها مخاطر حقيقية لبعض هذه المناطق، ويزداد هذا الأمر تعقيدًا بسبب عدم وجود استراتيجية وطنية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية" .[8]

تعد البيئة الإفريقية حاضنة حقيقية لمظاهر الفشل البيئي بفعل تزايد درجة الاحترار المحيطة بالتربة وكذلك مظاهر التغير المناخي. ومع مرور عقود من الانتهاكات البيئية من القوى العظمى للبيئة الإفريقية بفعل تحول جزء من القارة السوداء إلى مكبَّات عملاقة لليورانيوم المشع والنفايات النووية تحولت البيئة الإفريقية إلى بنية قائمة على عدة مؤشرات تندرج ضمن ما يُسمَّى الاستعدادات البيئية الطبيعية.[9] 

بهذا الصدد تعاني البنية التضاريسية لإفريقيا من عدة مشاكل بيئية ومناخية يمكن حصرها في عوامل كالتصحر وتناقص خصوبة التربة وتقلُّص نسبة الأراضي الصالحة للزراعة بسبب زيادة التوسع العمراني، ويسهم التصحر وتعرية التربة والرعي غير المنظم في تدهور الأراضي الإفريقية؛ فالإحصائيات تشير إلى أن الغابات تغطي نسبة 22% من مساحة إفريقيا و43%، في حين تشكِّل مساحة الأراضي الصالحة للزراعة 21%، وتعرف القارة الإفريقية ضياعًا كبيرًا للتربة حين تشير الأرقام إلى أن القارة أضاعت 500 مليون هكتار منذ 1950. 

ويستنزف الأراضي الإفريقية الإجهاد البيئي بفعل الطلب المتزايد على الموارد نتيجة النمو السكاني والكوارث الطبيعية والتغير المناخي والجفاف والفيضانات والاستخدام غير الملائم للتكنولوجيا والكيماويات وكذلك تعاني الأراضي من التدهور بسبب الأنشطة المدمرة والمخططة على نحو سيء سواء زراعية أو صناعية. 

وتكشف الدراسات البيئية ومنها التقرير الاستراتيجي الإفريقي لعام 2009-2010 عن أن ارتفاع درجة الحرارة هو المسؤول الأول عن موجات الجفاف والفياضات والعواصف؛ حيث إن هنالك تصاعدًا في درجة الحرارة في أجزاء من شرق ووسط إفريقيا ومنطقة الكاب (جنوب إفريقيا)، فضلًا عن نقص في المياه في منطقة غرب تشاد ودارفور كما أن ارتفاع درجة الحرارة في العالم قد يكون هو المسؤول عن انصهار الثلوج على قمة جبل كليمنجارو في تنزانيا، كما أن هنالك دلائل على أن بحيرة فيكتوريا وبحيرة تشاد وأجزاء من نهر النيل بدأت تجفُّ تدريجيًّا بسبب ارتفاع درجة الحرارة.

ثالثا: أسباب التلوث البيئي في إفريقيا

ترجع أسباب تلوث البيئة الإفريقية إلى الممارسات التقليدية و غياب الوعي البيئي حيث لا توجد خطوات فعلية لدى معظم دول إفريقيا في سبيل الخلاص من المشكلة فمثلا تلوث الهواء تأتي أهم أسبابه من الوسائل التقليدية في الزراعة والتي لا يعرف السكان غيرها ولا يقدرون على تحمل عبء  تكاليف الوسائل المتقدمة و قد صرحت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بان ما يقرب من 11.3مليون هكتار من الأرض تتم خسارتها كل سنة بسبب الزراعة والرعي و الحرق غير المنظم و استهلاك الوقود عبر حرق الأخشاب.

يشكل التلوث خطرا يهدد المناطق الحضرية الكبيرة و المدن الضخمة التي يوجد معظمها في الدول النامية حيث تشير التقديرات إلي أن الأمراض وحالات الوفيات قبل العمر الافتراضي الناتجة عن عوامل بيئية وتلوتها تصل إلى 18% من مجمل الأمراض في الدول النامية ويرجع ذلك إلى قصور إمدادات المياه والمرافق الصحية و4 % إلى تلوث الهواء داخل المنازل و3 %إلى الأمراض التي تنقلها الحشرات بسبب تلوث التربة والماء و2% إلى تلوث المناطق الحضرية و1 إلى المخلفات الصناعية بينما تحظى دول إفريقيا جنوب الصحراء بأرقام أعلى تصل إلى 26.5% . ووفقا لتقرير المؤتمر الوزاري الإفريقي المعنى بالبيئة  African Ministerial Conference in the Environment AMCEN فأن الإحصائيات تؤكد إن (27%) من الإمراض في إفريقيا ترتبط بالمخاطر البيئية (الإسهال و التهابات الجهاز التنفسي والملاريا ) وهو ما يمثل(60%) من آثار تلوث البيئة المضرة بالصحة وقام كل من البنك الدولي و معهد القياسات الصحية و التقييم بدراسة عنوانها: (تكلفة تلوث الهواء تدعيم المبرر الاقتصادي للتحرك) سعت إلى تقدير تكلفة الوفيات المبكرة بسبب تلوث الهواء و ذلك لتسهيل اتخاذ القرارات في سياق ندرة الموارد فأسفرت نتائج الدراسة عن وفاة نحو 125الف شخص في بلدان الشرق وشمال إفريقيا عام 2013 بسبب إمراض مرتبطة بتلوث الهواء  خارج المنزل وداخله و معظم هذه الوفيات من الأطفال والمسنين  تسبب في وفاة حالات عديدة سنويا بجميع إنحاء القارة الإفريقية بنسبة 36% من عام 1990 إلى عام 2013 وخلال الفترة نفسها زادت الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء المنزلي أيضا وبالنسبة لإفريقيا ككل كانت التكلفة الاقتصادية تقدر وفيات تلوث الهواء المبكرة في عام 2013 تقريبا 215 بليون دولار سنويا.

كما أعلنت إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة عام 2013 أن 115 شخصا يموتون  كل ساعة في إفريقيا بسبب الأمراض المتعلقة بتلوث المياه وعدم الاهتمام بالنظافة وسوء شبكات الصرف الصحي.

ويوضح رئيس منطقة أوربا والشرق وإفريقيا في منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية Organisation for Economic Cooperation and Development هنري برنار " إن التلوث البيئي في إفريقيا يضر على نحو متزايد الكثير من الناس و يعوق التنمية الاقتصادية و تخفيضه  يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الحكومات الإفريقية لتغيير الوضع حيث يزداد عدد سكان إفريقيا بوتيرة سريعة جدا فالعدد الحالي قرابة 472 مليون من سكان المناطق الحضرية وسيكون حوالي مليار في عام 2050 والخيارات الاستثمارية اليوم سيكون لها تأثيرات طويلة الأمد على البنية التحتية الحضرية ونوعية حياة سكان المدن ".

وذكرت إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2015 أن البلدان الأعلى معدلا لوفيات الأطفال دون سن الخامسة (101-200) لكل 1000 مولود كلها في إفريقيا: انغولا، ومالي، ونيجيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى وسيراليون والصومال وتشاد ويعود ذلك إلى الجسيمات الدقيقة التي يسببها التلوث البيئي [10].

التلوث في افريقيا ومعضلات النفايات الخطرة وأصنافها

يُقصد بالنُّفايات الخطرة- وفقاً لمعايير البنك الدولي، و«اتفاقية بازل» لنقل النفايات الخطرة وتداولها عبر الحدود-: «تلك المخلفات التي تحتوي على عناصر لا يسهل تحلّلها، وكيماويات ومركبات ذات آثار خطيرة ومزمنة على صحّة الإنسان والبيئة».

وعموماً تُعدّ النفايات خطرة إذا توفرت فيها خصائص أربعة: القابلية للاشتعال Flammability، القابلية للتفاعل Reactivity، مسبّبة للتآكل Corrosivity، سامّة Toxicity.

وتشمل النفايات الخطرة- أنواعاً كثيرة، منها: النفايات الطبية، والمتخلفة عن المستحضرات الصيدلانية، نفايات إنتاج المبيدات البيولوجية، نفايات المواد الكيميائية الواقية للأخشاب والمذيبات العضوية، نفايات المعالجة الحرارية وعمليات التطبيع المحتوية على السيانيد، نفايات الزيوت المعدنية غير الصالحة للاستعمال المعدّة له، نفايات المواد والمركبات المحتوية على ثنائيات أو ثلاثيات الفينيل، نفايات الرواسب القطرانية للتكرير والتقطير، نفايات إنتاج الأحبار والأصباغ... والمواد اللاصقة، النفايات ذات الطبيعة الانفجارية التي لا تخضع لتشريع آخر، نفايات إنتاج المواد الكيميائية الفوتوغرافية، نفايات المعالجة السطحية للمعادن واللدائن، رواسب عمليات التخلّص من النفايات الصناعية.

  • تصدير النفايات الخطرة إلى إفريقيا (العنصرية والفساد) إشكالات العدالة الأخلاقية

تشهد بلدان القارة وصول كميات كبيرة من المخلفات الخطرة، قادمةً من الدول الصناعية الكبرى بالعالم، بما يمثّل تعدّياً صارخاً، وتكريساً واضحاً لمفهوم «العنصرية البيئية» Environmental Racism، الذي يتناقض مع حقّ جميع الأفراد في بيئةٍ صحّية نظيفة وآمنة، أو ما يُطلق عليه: «العدالة البيئية»Environmental Justice.

بدأت حركة نقل المخلفات الخطرة من دول العالم المتقدّم إلى إفريقيا منذ سبعينيات القرن العشرين، حيث اكتُشفت صفقات سرّية، بين بعض الدول الإفريقية وشركات غربية، معظمها يتعلّق بنقل مواد سامّة تسبّب أضراراً بيئية وصحّية خطيرة، ويزيد من تفاقمها القوى البشرية غير المؤهلة للتعامل مع النفايات بالدول النامية، وعدم إدراك آثارها المدمّرة في مواقع دفنها؛ نظراً للتعتيم حول محتواها، حيث تعبر حدود بلدان العالم النامي تحت أشكال وصور، بل مسمّيات، مختلفة.

على سبيل المثال؛ نقلت السفينة "كيان سي" Khian Sea حوالي 4 آلاف طنّ من «الرماد»، من مدينة فلادليفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية، عام 1987م، إلى هايتي في أمريكا الوسطى على أنه «سماد»، بينما هو «رماد سام» من محارق مدن أمريكية، يحتوي على كميات كبيرة من المواد السامّة، مثل: (الزرنيخ والكادميوم والرصاص والزئبق والديوكسين) وغيرها، وهذه الحمولة الضخمة اختفت بعد زيارة الباخرة لدولٍ فقيرة؛ مثل: هايتي والسنغال والمغرب وسريلانكا!

وشهد العالم ازدياداً مطّرداً في كمية النفايات التي تجتاز الحدود الدولية، ففي الفترة (1982م و1983م) تضاعفت كمية النفايات المنقولة من أوروبا الغربية للتخلّص منها في بلدان أخرى، حيث تراوحت بين (250-425) ألف طن، بنسبة (1-2%) من إجمالي ما يولّد من نفايات خطرة.

ونشرت «منظمة السلام الأخضر» دراسةً استقصائية بشأن التجارة الدولية في النفايات، بما في ذلك بيانات بشأن 34 دولة إفريقية، وقدّرت الحجم الكلي لتجارة النفايات بـحوالي 3.5 ملايين طن، تمّ شحنها من البلدان الصناعية إلى البلدان الأقلّ نموّاً، خلال الفترة (1986م إلى 1988م).

وأعلنت منظمة «الإنتربول الدولي»، خلال (يونيو 2017م)- فقط- اكتشاف أكثر من 1.5 مليون طنّ من النفايات غير القانونية العابرة للحدود بجميع أنحاء العالم، خلال عملية عالمية قامت بتنسيقها، تستهدف الشحن غير المشروع للنفايات والتخلّص منها، وكانت آسيا وإفريقيا هما الوجهة الرئيسة للنفايات التي يتمّ تصديرها بصورةٍ غير مشروعة من أوروبا وأمريكا الشمالية.

وتشير الإحصاءات الإقليمية خلال الفترة (2004-2006م) إلى تصريف 94% من النفايات الخطرة بالأقطار الداخلية لكلّ إقليم؛ في مقابل 6% يتم تصريفها خارج حدود الإقليم، وصلت النسبة في قارة إفريقيا إلى 91%؛ في مقابل 9%. وتصرف الدول المتقدّمة نفاياتها الخطرة- غالباً- إلى مناطق نفوذها الاستعماري القديم.

وترجع الزيادة الكبيرة في حجم التجارة الدولية للنفايات الخطرة إلى دول العالم النامي بشكل عام، وإفريقيا خاصّة، إلى ارتفاع معدلات التصنيع بالعالم المتقدّم، والذي يصاحبه زيادة النفايات، وتقلّص المواقع الآمنة لدفنها، والكلفة العالية للتخلّص منها، والتي تُقدّر بحوالي 3 آلاف دولار للطن بينما تُباع للدول الإفريقية دون معالجةٍ بأقلّ من 5 دولارات للطن! فضلاً عن الشفافية والمحاسبة ودور جماعات الضغط البيئي بالدول المتقدّمة، وفي المقابل الفساد السياسي، وغياب الشفافية، وضعف دور الأجهزة الرقابية، في أغلب الدول الإفريقية.

وشهدت القارة الإفريقية، خلال العقود الأخيرة، صفقات مشبوهة، لنقل المخلفات الخطرة ودفنها بأراضيها، مع عدد من الشركات الغربية، ومن ذلك:

▪ تورط شركات إيطالية وبريطانية وألمانية في تفريغ شحنات نفايات سامّة في نيجيريا، وقد بلغ الأمر بالشركة الإيطالية التي تصدرت للعملية- نيابةً عن الشركات الأخرى- أن زوّرت أوراقاً تموّه حقيقة تلك النفايات التي بلغت حوالي 3000 طن، معبأة في علب صفيح رقيق، وضمنها مواد مسرطنة وأخرى مشعّة، وأفرغت الشركة عبوتها السامّة في إحدى مزارع قرية "كوكو" الساحلية، بعد ترضية مالية متواضعة لصاحب المزرعة، ولم تحاول الشركة حتى مجرد دفن هذه النفايات تحت التربة، بل تركتها عرضةً للأمطار والرطوبة وعبث الأطفال، والمساكن التي لا تبعد إلا عشرات الأمتار! وقد أسهمت الصحف النيجيرية في كشف الفضيحة، فتدخلت الحكومة النيجيرية، وطلبت من الشركة الإيطالية سحب نفاياتها.

▪ اتفاق بعض المسؤولين بدولة "غينيا بيساو" مع شركات سويسرية وبريطانية؛ لتصدير (15 ألف طن) أسبوعيّاً من نفايات الولايات المتحدة الأمريكية؛مقابل (120 مليون دولار) في السنة، وهو ما يعادل الدخل القومي لهذه الدولة.

▪ نجحت إحدى الشركات الغربية "سيسكو" في الحصول على «موافقة مكتوبة» من حكومة بنين، وذلك على قيام الشركة بنقل (5 ملايين طن) سنويّاً من النفايات الخطرة إلى دولة بنين؛ مقابل حصول الحكومة على (2,5 دولار فقط) للطن الواحد، في حين تدفع الشركات الأوروبية التي تتولد عنها النفايات (ألف دولار) لشركة "سيسكو" مقابل التخلّص من الطن الواحد. وتشير التقارير إلى أنّ حكومة دولة بنين قامت خلال الفترة (1984-1988م) باستيراد أطنان من النفايات المشعّة من الاتحاد السوفييتي، كما أجرت مفاوضات ثنائية مع الحكومة الفرنسية لاستيراد نفايات مشعّة وخطرة؛ مقابل (1.6 مليون دولار) ومساعدات اقتصادية لمدة 30 سنة، كذلك وقّعت مع شركة أنجلو-أمريكية (Sesco Gibraltar) عقداً بتخزين (50 مليون طن) من النفايات السامّة لعشر سنوات!

▪ قامت سفينة Probo Koala- تستأجرها شركة هولندية- (في 19 أغسطس 2006م) بإفراغ (400 طنّ) من البنزين ومخلّفات تنظيف حاويات النفط في مستودع «اكويدو» للنفايات في «أبيدجان» عاصمة كوت ديفوار، وعشرة مواقع أخرى حول المدينة، إحداها يصل إلى بحيرة، وانطلقت روائح الصوديوم والبنزين المتحلل في أرجاء المدينة، وحاولت السفينة إفراغ حمولتها في «أمستردام» لكن السلطات وصفتها بأنها «سامّة»، ورفعت تكلفة تصريفها (من 20 إلى 900 دولار للمتر المكعب)، فكان الحلّ الأرخص هو التخلّص منها في «أبيدجان». [11]

 في  مجال مكافحة التصحر في إفريقيا فقد شهدت الورشة المخصَّصة للتصحر التي نُظِّمت في الجزائر، في 13-20 يناير/كانون الثاني 2003، مشاركة 20 خبيرًا و72 مشروعًا؛ حيث استفادت بنتائج الاجتماع التشاوري الخاص باقتراح المشاريع المتعلقة بمكافحة التصحر في إطار الشراكة الجديدة للتطور في إفريقيا والذي نُظِّم من طرف أمانة الاتفاقية بالأمم المتحدة لمكافحة التصحر في بوركينا فاسو 2002، وتم تقسيم المشاريع المقترحة إلى ثلاث مجموعات، ويمكن تلخيص مشاريع المجموعة الأولى والتي انتهى تحضيرها فيما يلي:

  1. مشاريع منطقة المغرب العربي: وتتمثل في إعادة تأهيل وتطوير النظم البيولوجية في منطقة الواحات ووضع شبكة مراقبة بيئية على المدى الطويل.
  2. مشاريع منطقة وسط إفريقيا: وتقوم على نشر المعلومات بغرض التحسيس للحرائق في مناطق شمال إفريقيا الريفية والتحكم في المياه الجارية وشبه الجارية (تشاد، وشمال الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى). مشاريع منطقة القرن الإفريقي: وذلك من خلال تعزيز الموارد البشرية في المنطقة بتكوين وتطوير القدرات لتسيير الموارد البشرية في منطقة القرن الإفريقي.
  3. منطقة مشاريع إفريقيا الاستوائية.
  4. مشروع كلاهاي- ناميبيا حول المراقبة الحدودية للتصحر في بتسوانا.
  5. المرحلة الاستعراضية المتعلقة بتسيير الأرض والماء في بحيرة ليمو.
  6. تعزيز القدرات لتسيير ودراسة كمية المياه السطحية في إفريقيا الاستوائية.
  7. مشاريع منطقة غرب إفريقيا.
  8. تسيير الموارد المائية المشتركة، وتنويع المبادرات الأساسية، وتعزيز مكافحة التصحر.
  9. المشروع الحدودي - الأزواك - بين مالي والنيجر.
  10. التسيير المدمج لهضبة فوجاجالون. 
  11. التدهور البيئي بين الاستدامة البيئية والتوترات الأمنية. [12]

رابعا  القارة المستباحة بيئيا ومواطن الجرائم البيئية

إن الجرائم البيئية معترف بها على نطاق واسع باعتبارها من بين أكثر الأشكال المربحة للعمليات الإجرامية عبر الوطنية. وقدرت قيمتها النقدية في عام 2016 ما بين 91-259 مليار دولار أمريكي سنوياً ، على الأرجح رابع أكبر مجال إجرامي في العالم بعد المخدرات والتزييف والاتجار بالبشر. ويقابل هذا التقدير زيادة بنسبة 26 في المائة مقارنة بعام 2014، مع توقع زيادة معدلات مثل هذه الجرائم بنسبة 5-7 في المائة سنويا.

ووفقاً للتقرير المشترك بين الإنتربول وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2016، فإن الأنشطة غير القانونية التي تنطوي على البيئة أو التنوع البيولوجي أو الموارد الطبيعية غالباً ما تكون مربحة وتتضمن مخاطر منخفضة نسبياً للمجرمين. ولم تعتبر الجرائم البيئية في السابق من الأولويات في بعض البلدان، مما أدى إلى نقص الاستجابة الحكومية المناسبة.

وتوصلت دراسة حديثة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للبيئة بعنوان "حالة معرفة الجرائم التي لها آثار خطيرة على البيئة" إلى خمسة من أكثر مجالات الجرائم البيئية انتشارًا على الصعيد العالمي:

جريمة الحياة البرية: وفقاً للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية (IUCN)، فإن جرائم الحياة البرية مستمرة بشكل خاص في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث توجد جميع الأنواع - الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات والحشرات النباتات – التي تتأثر من جراء هذا الاتجار.

  1. قطع الأشجار غير القانوني: أفاد الاتحاد الدولي لمنظمات البحوث الحرجية في عام 2016 أن قطع الأشجار بشكل غير قانوني قد أثر على جميع قارات العالم وأنه منتشر على نطاق واسع في جميع مناطق الغابات الاستوائية مثل الصين والهند وفيتنام - وهم البلدان الثلاث المستوردين الرئيسيين لمنتجات الأخشاب الاستوائية القانونية وغير القانونية.
  2. اﻟﺼﻴﺪ ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ: ﻳﺸﻴﺮ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺻﺎدر ﻋﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺸﺆون اﻟﺼﺤﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم 2013 إﻟﻰ أن اﻟﺼﻴﺪ ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ داﺧﻞ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺤﺼﺮﻳﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان وﻓﻲ اﻟﻤﻴﺎه الدولية.
  3. ﺟﺮاﺋﻢ اﻟﺘﻠﻮث: أﺳﻔﺮت ﻋﻤﻠﻴﺎت إﻟﻘﺎء اﻟﻨﻔﺎﻳﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ وﺗﺠﺎرة اﻟﻨﻔﺎﻳﺎت ﻋﻦ ﺗﻠﻮث ﻋﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻬﻮاء واﻷراﺿﻲ وﻧﻈﻢ اﻟﻤﻴﺎﻩ (ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺟﺪاول اﻟﻤﻴﺎﻩ وﻧﻈﻢ اﻷﻧﻬﺎر) التي ﺗﻬﺪد اﻟﻨﻈﻢ اﻹﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺻﺤﺔ الإنسان. وينشأ الاتجار بالنفايات بشكل رئيسي في البلدان المتقدمة، مع تحديد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وأستراليا بشكل شائع باعتبارهما المصدرين الرئيسيين لشحنة النفايات غير المشروعة. والقارات الرئيسية للإتجار غير المشروع بالنفايات هي أفريقيا (كوت ديفوار وغانا وغينيا ونيجيريا وسيراليون وتنزانيا وتوغو وبينين والسنغال) وآسيا (الصين وهونغ كونغ وإندونيسيا والهند وماليزيا وباكستان وفيتنام). كما يدخل في إطار هذه الفئة الإنتاج والاستهلاك غير المشروعين لمركبات الكربون الكلورية فلورية (CFCs)  ومركبات الكربون الهيدروكلورية فلورية (HCFCs) والمواد الأخرى المستنفدة للأوزون. وتؤثر هذه المواد تؤثر على نظم المناعة الحيوانية، وخلق التعرض للأمراض المعدية وتقليل الإنتاجية في النباتات والفيتوبلاكتون.
  4. التعدين غير القانوني: ينتشر التعدين غير القانوني في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأجزاء من آسيا، حيث يتحول بصورة متزايدة إلى قضية تثير قلقاً كبيراً لدى العامة. وله آثار بيئية حادة، وأبرزها تلوث الزئبق الناتج عن تعدين الذهب الحرفي، وتدمير النباتات والحيوانات الطبيعية، والتلوث، وتدهور المناظر الطبيعية، ومخاطر الإشعاع.

كما تعمل الأمم المتحدة للبيئة على بناء قدرات جميع الجهات الفاعلة المعنية بإنفاذ البيئة مثل الشرطة والمدعين العامين والجمارك. وأقامت منظمة الأمم المتحدة للبيئة مؤخراً شراكة مع جمعية المدعين العامين الأفارقة لإنشاء كتيبات تدريبية ومناهج دراسية بشأن ملاحقة الجرائم البيئية، ومساعدة البلدان على إدماج التثقيف المتعلق بالجريمة البيئية في مناهج تدريب الشرطة والمدعين العامين، من أجل تعزيز قدرتها على التحقيق في القضايا ومقاضاة مرتكبيها. [13]

 ومن ناحية أخرى تعد أفريقيا مصدرا لنحو 30 في المائة من احتياطيات العالم من المعادن، ونحو 8 في المائة من الغاز الطبيعي في العالم، ونحو 12 في المائة من احتياطيات النفط في العالم؛ كما أن القارة لديها 40 في المائة من الذهب العالمي ونحو 90 في المائة من الكروم والبلاتين. كما يوجد أكبر الاحتياطيات من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم في العالم في أفريقيا. وتملك أفريقيا 65 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، أي 10 في المائة من مصادر المياه العذبة المتجددة الداخلية.

وفي معظم البلدان الأفريقية، يمثل رأس المال الطبيعي ما بين 30 في المائة و 50 في المائة من مجموع الثروة. ويعتمد أكثر من 70 في المائة من السكان الذين يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على الغابات والأراضي الحرجية من أجل كسب رزقهم. وتعتبر الأرض بمثابة أصول التنمية الاقتصادية فضلا عن الموارد الاجتماعية والثقافية. ومع ذلك، فإن حصة كبيرة من هذه الموارد تستخدم على نحو غير مستدام بينما يفقد البعض الآخر من خلال أنشطة غير مشروعة، مما يعني أن مجرى المنافع المتأتية من هذه الموارد يجري انخفاضه بمرور الوقت. فعلى سبيل المثال، تخسر أفريقيا ما يقدر ب 195 مليار دولار سنويا من رأس مالها الطبيعي من خلال التدفقات المالية غير المشروعة والتعدين غير المشروع وقطع الأشجار غير المشروع والاتجار غير المشروعة بالأحياء البرية والصيد غير المنظم والتدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي من بين أمور أخرى.

ويعترف المؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة بأن رأس المال الطبيعي يدعم اقتصاد القارة، مؤكدا أن استخدام رأس المال الطبيعي كملاذ لخلق الثروة والاستثمارات، سيسمح باتخاذ إجراءات من أجل تحقيق خطة الأمم المتحدة لعام 2030 بشأن التنمية المستدامة وأهداف التنمية المستدامة، وجدول أعمال الاتحاد الأفريقي 2063 من خلال المساهمة المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

لكي تستفيد أفريقيا من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية المتأصلة في هذه الثروة الطبيعية، من الضروري أن تعالج على سبيل الاستعجال مسائل مثل إدارة الأثر البيئي والاجتماعي للاستخدام المستدام.

ويدعم مكتب الأمم المتحدة للبيئة في أفريقيا الحكومات الأفريقية لترجمة القرارات والبيانات المتعلقة بالموارد الطبيعية إلى إجراءات عملية وحلول مبتكرة على المستويات الإقليمية والوطنية والمحلية لصالح سكانها. وسيؤدي ذلك إلى خلق الثروة وخلق الوظائف، وتوليد الإيرادات، والأمن الغذائي، والعدالة الاجتماعية، والبيئة الصحية.[14]

خامسا: الحماية القانونية للبيئة  في إفريقيا  أي دور للمنتظم الدولي؟

لما كان القانون يجب أن يساير - بقواعده الملزمة المنظمة للسلوك البشري - ما يطرأ في المجتمع من تطورات و يلبي نداء ما يستجد في الدول من حاجات فقد لزم تدخله لمواجهة ما نشأ عن التقدم التكنولوجي الكبير الذي أحرزه العالم حديثا في شتى المجالات السلمية و الحربية من آثار جانبية خطيرة غابت عن إدراك الكثيرين فترة من الزمن ثم ما لبثت أن ظهرت بعد ذلك - لمن أراد أن يتدبر - بصورة مخيفة تنبئ عن مستقبل ملئ بالأخطار و المضار هذه الآثار.

 التي تمثلت فيما أصاب البيئة التي نعيش فيها من تلوث امتد إلى كافة عناصر وشمل الرطب فيها واليابس وهذا التلوث بمخاطره على حياة الإنسان وبقائه يتطلب مواجهة عاجلة وعلاجات متعددة أهمها تدخل القانون بقواعده الملزمة وتنظيماته الفعالة ليتبنى الحلول التي يتم التوصل إليها علميا لمشاكل التلوث.

بدأ العالم حديثا يفيق من غفوته متوجعا من آثار كثير من أعماله المدمرة للبيئة التي يعيش فيها وهي الكرة الأرضية بكافة الدول المتشابكة التي تحويها وارتفعت أصوات المصلحين و النفعيين على السواء تطالب بوضع حد لتخريب الإنسان للبيئة في كل مكان ، بالنظر إلى الطبيعة الدينامكية أو المتحركة للتلوث فعلى المستوى الدولي اهتمت المؤتمرات ببحث مشكلة التلوث ففي عام 1972 عقد في مدينة ستوكهولم بالسويد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية وتتابعت المؤتمرات الدولية العالمية و الإقليمية الهادفة إلى حماية البيئة من أخطار التلوث بل والى تربية الناس من شانها الحفاظ على البيئة التي يعيشون فيها كالمؤتمر الدولي للتربية البيئية الذي عقد عام 1977 بمدينة يبليس بالاتحاد السوفيتي المنهار وقد أصبحت الاتفاقات الدولية المتعلقة بحماية البيئة تمثل جانبا هاما من جوانب القانون الدولي و بات عددها يكاد يستعصي على الحصر خاصة بالنسبة لتلك التي تعقد على المستوى الإقليمي بين عدد من الدول ومن أهم هذه الاتفاقات أو المعاهدات :

  1. اتفاقية لندن الخاصة بالحفاظ على الحيوانات و النباتات على حالتها الطبيعية لعام 1933.
  2. اتفاقية هلنسكي الخاصة بحماية البيئة البحرية في بحر البلطيق لعام 1974.
  3. اتفاقية برشلونة الخاصة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث لعام 1976.
  4. معاهدة جدة بشان حماية البيئة البحرية للبحر الأحمر وخليج عدن لعام 1982.
  5. اتفاقية جنيف الخاصة بتلوث الهواء بعيد المدى عبر الحدود لعام 1989.وفي عام 1993 انشئت منظمة الصليب الأخضر الدولي في جنيف لتعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة على حماية البيئة من الكوارث والملوثات وكان أول رئيس لها هو ميخائيل جورباتشوف الرئيس الأخير للاتحاد السوفيتي.
  6. مؤتمر قمة الأرض

في النصف الأول من شهر يونيو عام 1992 وفي مدينة ري ودي جانيرو بالبرازيل انعقد مؤتمر البيئة والتنمية الذي اشتهر بمؤتمر قمة الأرض و هو اكبر اجتماع عالمي في التاريخ حيث ضم ممثل 178 دولة وحضره أكثر من مائة من رؤساء الدول والحكومات واستهدف حماية كوكب الأرض وموارده ومناخه ووضع سياسة للنمو العالمي و القضاء على الفقر مع المحافظة على البيئة [15]. 

وتشير ملامح النظام الدولي الجديد إلى استمرار حالة الإجحاف والتميز ضد عالم الدول النامية وخاصة دول قارة إفريقيا والأقل نموا في مواجهة دول العالم، من حيث مستوى توزيع الدخل والثروات بين أقلية مؤثرة وأغلبية شبه معدمة وستنعكس آثارها حتما على البيئة .

وفي حين تستهلك الدول الصناعية 74 % و 80 % من الطاقة والمواد الولية وتنتج 80 % من حجم الصناعي العالمي ، وتسبب 90 % من النفايات الخطرة و 74 % من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعمل على تصعيد مشكلة الاحتباس الحراري ومن هنا فإن الدول النامية لا تملك أيه مبادرة لإيجاد حل لمشاكل البيئة الأمر الذي يتوقف على الدول الصناعية .

وبهذا تحول الأنانية والمصالح الضيقة وإصرار معظم الدول على مواقفها التي تضمن لها التقليل من التزاماتها، وحرص العديد من الدول على تحقيق أكبر منافع ممكنة لصالح دعم اقتصاداتها وتحقيق فوائد دون أية أعباء والنظر إلى مصالح الدول الأخرى .

إن الإدارة الدولية لقضايا البيئة ما تزال متسمة بعدم الشفافية ولوضوح بسبب التعنت وعدم الاستعداد للتنازل عن بعض المكاسب الضيقة لصالح البشرية جمعاء وبهذا تجد الجمعية العامة نفسها أمام حائط مانع لتنفيذ برامجها ومقترحاتها وتفعيل الاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الحقل .

ومن هنا فإن اقتراحات عملية ربما تخرج الوضع من المأزق الذي هو عليه : 

  1. تحويل برنامج الأمم المتحدة إلى هيئة مستقلة لها اختصاصاتها ومواردها مثلها على ذلك اليونسكو والفاو.
  2. تحويل المرافق العالمي للبيئة من آلية مؤقتة إلى آلية دائمة ومن مرفق يهتم بتمويل قضايا بيئية بعينها إلى مرفق يمول القضايا بصفة عامة وفق أجندة أولويات الاهتمام وبالتنسيق مع برامج الأمم المتحدة للبيئة.
  3. تحقيق وشمولية عمليات الرصد العالمي للنظم الإيكولوجية المختلفة.
  4. التعاون الإقليمي لتفعيل الإدارة الدولية لشؤون البيئة وتوقيع اتفاقيات إقليمية على غرار الاتفاق الأوربي 
  5. إن العولمة ستؤثر على الدولة وفاعليتها ، ورغم ذلك عليها داخل نطاقها الإقليمي ركيزة لتعاون دولي أشمل وأعمق في مجال البيئة .

الواقع أن قواعد القانون الدولي وبصفة عامة لا يزال تفتقد إلى القوة الملزمة لها أو إلى السلطة التي تمتلك إلزام الدول بها، وبالتالي فإن أعمال المؤتمرات الدولية وقراراتها لا تعدو أن تطبقها أو ترفض تطبيقها ولم يصل المجتمع الدولي بعد إلى مستوى ضرورة إقرار وفرض المصلحة العامة حتى ولو على حساب المصلحة الخاصة لأحدى دولة ، وذلك لعدم وجود السلطة التي تملك فرض ذلك كما هو حاصل في المستوى الداخلي للدول ولأن ذلك يصطدم بمبدأ السيادة الوطنية، كما أن الذين يضعون أحكام وقواعد القانون الدولي هم أنفسهم المخاطبون بها.

وقد أحصى الباحثون العاملون في هذا الحقل الاتفاقيات الدولية فوجدها أكثر من 900 اتفاقية ثنائية لها تأثيراتها على القوانين الوطنية، ومما لا شك فيه أن هذه الاتفاقيات تقدم للمشرع الوطني إطار عام مقبول حول ما يمكن اعتباره مشروعا أو غير مشروع من الأفعال المتعلقة بالبيئة .

لاشك أن الاتفاقيات أو المعاهدات قيمة قانونية عالية، فهي قد أذكت الوعي العالمي التلويث وزادت من إحساس المجتمع بمسؤولياته تجاه البيئة التي نعيش فيها، وعمقت مستوى فهمه بوحدة البيئة الإنسانية، وضرورة التعاون لحمايتها والامتناع عما يضر بها، كما أن هذه المعاهدات أوجدت ذخيرة ومعينا للعلماء والباحثين والقانونيين وغيرهم يغوصون في أعماق بالبحث والتحليل والنقد البناء ويقدمون من خلال ذلك الآراء المفيدة والطرق الجديدة والمبتكرة في حماية البيئة التي ستكون في الحسبان والاعتبار عند الإعداد جديدة في حماية البيئة، وهكذا تتقدم الحماية البيئية إلى الأمام في المعاهدات الدولية ويرتفع مستواها .

هناك رأي يذهب اعتبار مبادئ إعلان إستكهولم بمثابة قانون ملزم بحيث أن العمل الدولي اللاحق يكسب مبادئ الإعلان قوة القانون الملزم، كما هو الحال في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، إذ بالرغم من النعوت التي أطلقت عليه فقد أثبتت التطورات اللاحقة انه يفرض التزامات قانونية على أعضاء المجتمع الدولي.

وبالرغم من وجود إيجاد آخر يرى أن الإعلانات ليس لها أية قوة إلزامية لأنها لا تعتبر مكملة للميثاق بالمعنى الذي يضفي عليه قوة الميثاق، إلا أن إعلان ستوكهولم الذي صدر على شكل توصية للدول بإتباع مضمونة نظرا لخصوصية البيئة وارتباطها بمستقبل البشرية، لذا فإنه يتضمن التزاما أدبيا لا يستهان به، بل أن تكرار هذه التوصيات يحولها إلى قواعد عرفية، ومن ثم تكتسب صفة الإلزام عن طريق إدماجها في المعاهدات الدولية.

والواقع أن قواعد القانون الدولي بصفة عامة لا تزال تفتقد إلى القوة الإلزامية لها أو السلطة التي تملك إلزام الدول لها وبالتالي فإن أعمال المؤتمرات الدولية وقراراتها لا تعدو أن تكون مجرد توصيات للدول لها أن تطبيقها أو ترفض تطبيقها، وهذا يعود إلى رضا الدولة بمفهوم القاعدة القانونية ليتم تطبيقها، لذلك كثيرا ما تكون مصلحة الدولة هي السبب في التزام هذه الدولة بقرارات الاتفاقيات الدولية أو رفضها. [16]

ترتفع التكاليف الاقتصادية للتدهور البيئي بصورة ملحوظة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتنتقل آثار هذه التكاليف المرتفعة إلى منظومة المالية العامة، وميزانيات الأسر المعيشية، وقدرة اقتصاديات المنطقة على المنافسة، بالإضافة إلى وطأتها على العدالة والإنصاف فيما بين الأجيال المتعاقبة. ففي ظل المعدلات الحالية للتعدين والتدهور المستشري، لن يكون العديد من الموارد الموجودة حاليًّا متاحًا للأجيال في المستقبل. 

ومن وجهة نظر استشرافية ستصبح الموارد المائية أكثر شحًّا وندرة بصورة متزايدة؛ إذ يُتوقع انخفاض نصيب الفرد سنويًّا من الموارد المائية المتجددة من مستواه البالغ 1045 مترًا مكعبًا سنويًّا في العام 1997 إلى 740 مترًا مكعبًا سنويًّا بحلول عام 2015. فعلى الرغم من الزيادة السكانية في المناطق الحضرية، فإنه يتم تخصيص 88% من الموارد المائية في المتوسط لقطاع الزراعة في هذه المنطقة، بينما لا تتجاوز النسبة المخصصة للاستهلاك المنزلي 7 في المئة. وسوف تؤدي زيادة استهلاك المناطق الحضرية والصناعية، بسبب تغير مستويات المعيشة، إلى هبوط كميات المياه المتاحة لأغراض الري. وتجدر الإشارة إلى تفاقم شُحِّ الموارد المائية بفعل التدهور المتزايد لنوعية المياه.

 - وبخصوص الوضعية الزراعية من المتوقع أن يستمر تدهور رقعة الأراضي القابلة للزراعة في إفريقيا. ومن شأن ممارسات الزراعة والرعي بطرق لا تحقق استدامتها، نتيجة لضعف حقوق الملكية مقترنًا بالزيادة السكانية، أن تهدد بالإطاحة بالرقعة الزراعية الآخذة في الانحسار بسبب انخفاض الإنتاجية وزحف التصحر.

 - ويتمثَّل أحد التحديات الأخرى في المشكلات الصحية المرتبطة بتلوث البيئة، وخاصة في المراكز الحضرية والصناعية. وتشمل الأسباب مدافن القمامة المكشوفة التابعة للبلديات، واستخدام البنزين المحتوي على الرصاص في أسطول السيارات القديمة والمركبات المتهالكة المفتقرة إلى الصيانة، وانعدام كفاءة استخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، وانبعاثات الجسيمات وأكسيد الكبريت من المنشآت الصناعية. وما زالت النفايات والفضلات الخطرة والملوثات العضوية الثابتة، من قبيل النفايات الناجمة عن مبيدات الآفات القديمة، تشكِّل تحديًا بالنسبة للمنطقة.

 -  وعلى صعيد القطاع البحري تعد الموارد البحرية، بما في ذلك مصائد الأسماك، مصدرًا مهمًّا لتوليد الدخل. إلا أن أساطيل الصيد تتنافس على الإفراط في استغلال الموارد السمكية دون ضابط أو رابط بسبب ضعف إنفاذ القوانين والقواعد التنظيمية. وبالإضافة إلى ذلك، يؤدي تدهور الموائل الطبيعية الحرجة بفعل التلوث والأنواع الأخرى من مظاهر الإجهاد البيئي إلى تفاقم هذه المشكلات وتعريض مصالح المجتمعات المحلية الساحلية الضعيفة للصعوبات والأخطار. 

سادسا: المخاطر البيئية المتعاظمة في إفريقيا: خطط مع وقف التنفيذ [17]

قُدِّمت مقاربات متعددة لدراسة الحالة البيئية في إفريقيا؛ وبهذا الصدد طوَّر باحثون في مؤسسة دارا، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها مدريد في إسبانيا تعمل في مجال البحوث الإنسانية التطبيقية، منهجية جديدة أطلقوا عليها مؤشر الحدِّ من المخاطر، وهو مؤشر قد يساعد المزيد من الدول في تقييم آثار المخاطر والكوارث الطبيعية والحد منها. لكن التقييمات التي أُجريت في ست دول في غرب إفريقيا تشير إلى وجود مخاطر كثيرة وقدرة محدودة على الحد من قابلية التأثر بمثل تلك المخاطر. ووفقًا لمؤسسة دارا، يقيِّم المؤشر المذكور القدرات والظروف المتاحة للحد من مخاطر الكوارث مثل الموارد البشرية والقوانين والمعايير الاجتماعية "ويفحص مؤشر الحدِّ من المخاطر بشكل أساسي تصورات المجتمع المحلي المتعلقة بالمخاطر الكامنة؛ ذلك أنه يأخذ في الاعتبار المخاطر الطبيعية المعرضة لها المنطقة، إضافة إلى الجوانب الأخرى للبنية التحتية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحكم والعوامل الأخرى التي تؤثِّر على هذا المجتمع". 

وقد استُخدم المؤشر لإنشاء خريطة المخاطر لأجزاء مختلفة من منطقة غرب إفريقيا، وقد سجَّلت غينيا وموريتانيا ونيجيريا وسيراليون أقل من 4.0؛ مما يشير إلى أنها غير مجهزة للتعامل مع مخاطر الكوارث الطبيعية. وسجلت كل من جمهورية الرأس الأخضر وغانا والسنغال ما بين 5 و5.9؛ مما يعني أنها حققت بعض التقدم في الحد من مخاطر الكوارث؛ فقد أنشأت السنغال، على سبيل المثال، إدارة الحماية المدنية للعمل على الحد من مخاطر الكوارث، فضلًا عن المنبر الوطني للحد من مخاطر الكوارث في البلاد، ولكن التنسيق بين هذه الهيئات ضعيف، لاسيما على الصعيد المحلي، في الوقت الذي لا يزال فيه التمويل غير كاف. ولم تسجل أية دولة في المنطقة أعلى من 6.0، مما يدل على أن حكومات تلك الدول لم تُعطِ الأولوية الكافية لأنشطة الحدِّ من مخاطر الكوارث؛ إذ إن الدول الإفريقية لحد الساعة لا تتبنى أنظمة إدارة الأزمات لتوقع الأزمات والكوارث البيئية المستقبلية وهو ما يعظِّم من حجم الكوارث عند وقوعها في إفريقيا. 

وتشير تقييمات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن عدد الأشخاص المعرضين لمخاطر الجوع في المنطقة هذا العام يصل إلى نحو 18 مليون شخص. وقد أثَّرت المخاطر المناخية، مثل الجفاف والفيضانات، على أكثر من 34 مليون إفريقي في عام 2012، وتسببت في خسائر اقتصادية تُقدَّر بأكثر من 1.3 مليار دولار في الفترة بين عامي 2011 و2012، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن استراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث (UNISDR). وللحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، تحتاج الدول الإفريقية إلى معالجة عوامل الخطر الكامنة، مثل إدارة الأراضي والمخاطر الصحية، ثم تطوير استراتيجيات أكثر شمولًا للحد من المخاطر، ولكن تحديد عوامل الخطر الكامنة هذه والتصدي لها بفعالية يمكن أن يكون مهمة معقدة للحكومات الوطنية. 

تجدر الإشارة إلى أنه تم إدخال مؤشر الحد من المخاطر في عام 2011، في غرب إفريقيا، في شراكة مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والحكومات المحلية والجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة. 

وبناءً على ذلك، قام الباحثون بتقييم تصورات المجتمع للمخاطر في كلٍّ من جمهورية الرأس الأخضر وغامبيا وغانا وغينيا والنيجر والسنغال،، واقترحوا سبلًا لتعزيز وتحسين استراتيجيات وتدخلات الحد من مخاطر الكوارث، وتمت مناقشة نحو 60 عاملًا عن عوامل المخاطر، بما في ذلك تلوث الهواء وإزالة الغابات وندرة المياه، وانتشار الأمراض والوصول إلى الخدمات الصحية والفقر وانعدام الأمن الغذائي وعدم المساواة بين الجنسين ونوعية السكن والرقابة على وسائل الإعلام والصراع والفساد. وقد سجلت الدول الواقعة في الشريط الساحلي -وهي مالي وموريتانيا والنيجر وشمال السنغال- مستويات منخفضة فيما يتعلق بالقدرة على التعامل مع المخاطر الخاصة بالبيئة والموارد الطبيعية، ويعزى هذا بالأساس إلى ندرة المياه وانتشار التصحر. ومن بين النتائج الرئيسية الأخرى التي توصل إليها الباحثون فيما يتعلق بغرب إفريقيا وجود تناقض صارخ في التصورات المتعلقة بالمخاطر بين الناس الذين يعيشون في المناطق الحضرية وأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية. وهذا يؤشر في دلالة قوية إلى تأثير البيئة والمناخ على أنماط وتصورات سكان إفريقيا, وهذا يشمل قضايا البنية التحتية (مثل شبكات الصرف الصحي)، وبناء المساكن وحالة الطرق. وعلى النقيض من ذلك، كان الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية أكثر اهتمامًا بأمور مثل التغيرات في أنماط هطول الأمطار وتدهور التربة وإزالة الغابات.

وفي ظل أنه من المتوقع أن يصل سكان غرب إفريقيا إلى أكثر من 400 مليون بحلول عام 2020، فإن هذه المخاطر ستزداد. ومن المتوقع أن يعيش أكثر من نصف سكان إفريقيا في بيئات حضرية بحلول عام 2050، وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية؛ وهو ما سيعيد النظر في مقولات الصراع بين المركز والأطراف وبين الحضر والريف في القارة الإفريقية.

سابعا: توصيات الاستدامة البيئية في إفريقيا ( العدالة الأخلاقية البيئية  العالمية / نحو حوكمة بيئية عالمية)

يجري التأكيد على أهمية ثلاثة مسارات عمل مكملة في المساندة التي يقدمها البنك الدولي لتحسين الاستدامة البيئية وفق ما ورد في الدراسة المشار إليها سلفًا؛ وذلك لغرض الحد من المخاطر المترتبة على استمرار التدهور وتتمثل هذه المسارات فيما يلي:

  1. زيادة مستوى الوعي لدى صانعي القرارات والمواطنين بوجه عام إزاء درجة التدهور البيئي وآثاره وتداعياته. والواقع أن الدراسات المعنية بتكلفة التدهور البيئي التي تم إجراؤها بشأن معظم البلدان تحدِّد القيمة النقدية للخسائر التي يتكبدها البلد المعنيُّ مع إمكانية مقارنتها بمقاييس النشاط الاقتصادي، مثل مقدار النمو الضائع، وبالتالي تغذية السياسة الاقتصادية بالاستراتيجيات ودعوة كافة الهيئات والمصالح إلى مشاركة الهيئة المعنية بالبيئة في تحمل المسؤولية. ومن شأن أنظمة الرصد والتقييم أن تقدم معلومات للمواطنين حول مدى نضوب الموارد، ومعدلات التدهور والتلوث البيئي، ومن ثم تهيئة الأساس اللازم لانخراط المواطنين في منظومة العمل الجماعي لتحسين إدارة البيئة.
  2. العمل على تطوير أنظمة الوقاية من تدهور البيئة وتخفيف آثاره من خلال تحسين الأطر التنظيمية وتعزيز نشاط إنفاذ القوانين واللوائح التنظيمية ذات العلاقة. يساعد تحسين نوعية التقييم البيئي وتعزيز فعالية البلدان في هذا الصدد على تخفيف الآثار السلبية لمشروعات التنمية وبرامجها؛ إذ إنه في مقدور مجموعة القواعد التنظيمية الملائمة المصحوبة بآليات الإنفاذ المناسبة أن تؤدي إلى إيجاد حوافز سلبية قوية لوقف استنفاد البيئة ونضوب مواردها.
  3. خلق حوافز إيجابية دافعة للممارسات البيئية السليمة؛ إذ تُفضي هذه الممارسات إلى إيجاد الفرص الاقتصادية والمالية. فبينما يزداد شُحُّ موارد البيئة وطاقاتها، تعمل الأسواق أو الترتيبات المؤسسية الأخرى على تحديد قيمة للخدمات البيئية وتفسح المجال لتحقيق تلك القيمة. فآلية التنمية النظيفة التي تم إنشاؤها بموجب بروتوكول كيوتو، تقوم على سبيل المثال بتمويل مشروعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للحد من انبعاث الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري، كالمشروعات المنفَّذة في قطاع النفايات الصلبة على سبيل المثال. كما أنه من شأن الاتجاه المطَّرد نحو إنتاج واستهلاك المنتجات "العضوية" وزيادة الخصائص "الخضراء" لسلع التبادل التجاري أن يساعد على النفاذ إلى الأسواق الجديدة وزيادة قيمة المبيعات وخلق حوافز حديثة، من خلال سلسلة التوريد، أمام استخدام المنتجين للموارد البيئية لبلوغ هذه الغايات بطرق متحلية بروح المسؤولية. كذلك يمكن أن تؤدي زيادة انفتاح الأسواق واستقبال الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تهيئة الأوضاع المهمة الملائمة لنقل المزيد من التقنيات السليمة بيئيًّا. ومن المؤكد أن مساعدة أسواق الخدمات البيئية في هذه المنطقة على النضوج، أو استخدام آليات مؤسسية كصندوق البيئة العالمية ابتغاء تحقيق مزايا ومنافع عالمية، تؤدِّي إلى خلق حوافز مشجِّعة على تحلِّي السلوك البيئي بقدر أكبر من رُوح المسؤولية.

إن الواقع البيئي المعاصر يستلزم التفكير الجاد للبحث عن حل شامل لأزمة البيئة والمناخ المشترك الإنساني، من دين وثقافة وفلسفة وعادات وأعراف تجمع بين البعد التربوي والتشريعي وعليه يمكن التذكير ببعض الأساسيات التي تعد أهم المنطلقات في اعتماد التراث الديني القائم على فقه النوازل في سياق التأسيس لقانون بيئي عادل ومنصف : 

  1. ضرورة وضع قانون بيئي أمر لا يحتمل التأخير استنادا إلى الواقع المزري لإشكالية البيئة والمناخ بغض النظر عن المرجعيات أو الخلفيات لأنها قضية إنسانية ومصلحة مشتركة بين الإنسانية ومحيطها .
  2. ينبغي صياغة منظومة قانونية تؤسس لبناء شخصية متكاملة سوية تدرك أهمية البيئة وتساعد على تنزيل وتفعيل القانون وهذا يعني استحضار البعد الاستراتيجي في وضع القوانين الناظمة والمؤطرة للقيم التربوية والتوجيهات الأخلاقية والسلوكيات القانونية في أفق بناء فضاء بيئي إنساني متكامل – تربويا أخلاقيا وقانونيا .
  3. إمكانية الاستفادة من التراث الاسلامي – المسمى الفقه  النوازلي - والتي لا تخفي أهميتها لأنها: 
  4. واقعية وهذا يعني أنها إما أمر فقهي حدث على الأرض موجبه وتمت الإجابة عنه والفصل قضائيا فيه .
  5. الغالب على أحكام النوازل البيئية أنها تراعي البيئة المجتمعية التي أنتجت هذه النازلة .
  6. الغالب على النازلة أنها صادرة عن جهة لها وضع اجتماعي معتبر وهم الفقهاء والقضاء والقضاة وهذا ما يعطي حكم النازلة صفة خاصة تحمل المستفتي على الامتثال والانصياع .
  7. الفئة التي صدرت عنها تلك النازلة فئة محيطة بالجانب النظري لتلك النازلة كما أنها ملمة في الوقت نفسه بأحوال الناس وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .[18]

رعاية البيئة أم حمايتها؟ 

نشير إلى مفهوم في غاية الأهمية هو أن بعض العلماء يفضل استعمال مفهوم الرعاية عوض الحماية وذلك للاعتبار التالي: كلمة " الحماية" تقتضي المحافظة على البيئة من جهة العدم أو السلب فقط بمعنى المحافظة عليها من كل ما يفسدها أو يضر بها ويلوثها بينما تقتضي كلمة "الرعاية" المحافظة على البيئة من جهة الوجود ومن جهة العدم معا أي من جهة الإنجاب ومن جهة السلب.

فمن جهة الإنجاب أو الوجود: ينبغي العناية بالبيئة من جهة ما يرقي بها ويصلحها وينميها ويصل بها إلى غايتها الموجودة، ومن جهة السلب أو العدم: ينبغي حمايتها من كل ما يعود عليها بالضرر والتلوث والفساد. وكل هذا يدخل تحت مفهوم العناية.

ان دول العالم المتقدم ملزمة أخلاقياً باحترام الأجندات البيئية لضمان الأمن في الدول العالم النامي ومنها إفريقيا، وهذه الأقطار ملزمة بتدبير "التعقيد الأمني" – SECURITY COMPLEX- فالطبيعة دخلت السياق الجيوبوليتكي. ومسار إدماج البيئة في الأمن مازال حديثا في السياسة الخارجية للحكومات لكن وبسبب الإخفاقات المتتالية لبعض اللقاءات أو الاتفاقيات الدولية لا يمكن الاستهانة بقدرة الرأي العام على ممارسة الضغط أو تقديم بعض المشكلات على الأخرى كتدهور طبقة الأوزان والنفايات والنفايات النووية والتصحر والانحباس الحراري.

ولا ينحصر التعقيد البيئي في المشكلات البيئية الشمولية حيث يتم تحديد مفهوم المن البيئي فالأمر تطور شيئا فشيئا إذا احتلت الأبعاد الثنائية والإقليمية أيضا مكانتها في المصالح الاستراتيجية البيئية للدول كما هو الحال بالنسبة إلى التدهور الإيكولوجي في البحر المتوسط أو في البلطيق أو في الشرق الأوسط.

إن إدماج البيئة في الفكر الاستراتيجي لا علاقة له بالأيديولوجيا أو بموضة العصر ، بل إن الأمر يتعلق أساسا، بممارسة صعبة ومعقدة بالنظر إلى أن السياسة الخارجية أصبحت ، بقوة "الأحداث" مجلا لصراع مختلف المنافع الداخلية منها والخارجية ومتناقضة في أغلب الأحوال . لكن سيكون أمام الباحثين والمفكرين تحد مطروح أيضا يستدعي منهم تقديم المساعدة على تحديد الرهانات.

من الأهمية إذن تعميق البحث والدراسة في مختلف نظريات العلاقات الدولية، وتبيان مدى حضور العنصر البيئي كمحدد جديد من محددات التنظير في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية والإقليمية من جهة، وتوفير التمويلات اللازمة لإنجاز الدواسات في المجال من جهة أخرى.

ويبدو أن هذا النهج لا يقتصر على المنحى ، بل يتجاوز ذلك عن طريق دمج القضايا البيئية في مسار صنع السياسات العامة ، وتعزيز فرص إنجاح الدبلوماسية الخضراء على المستوى الكوني ، من أجل بلورة الإطار المفاهيمي للمقاربة البيئية العربية الإسلامية. إن قضيتي البيئة والتنمية المستدامة أصبحتا متداخلتين مع القضايا الأمنية، إقليميا وكونيا على الأقل في المجالات التالية: 

  1. ندوة الموارد هي سبب نشوب النزاعات ويمكن للضغوط الاجتماعية والديمغرافية أن تؤدي إلى نتائج مؤذية للبيئة وأن تسبب هجرات قوية بسبب عدم كفاية الموارد الطبيعية أو بسبب هشاشتها.
  2. تؤثر الحروب والمنازعات في البيئة متجاوزة الحدود الوطنية ولها مضاعفات ضارة بمناطق واسعة.
  3. يحدث اندثار البيئة بفعل الشروط المناخية الحادة والحروب والمنازعات تراجعا على مستوى مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، كما يضع السلم والاستقرار في حالة خطر.
  4. تشكل قضايا الفقر وتهميش الفئات الاجتماعية داخل الدول وبين الدول ذاتها خطرا محتملا للنزاع.
  5. تشكيل عملية إنقاص التلوث العابر للحدود وحماية الموارد الطبيعية المشتركة وزنا لا يستهان به عندما يوجد التعاون الواسع بين الدول المجاورة .
  6. يجب فحص القضايا المتعلقة بالتنمية المستدامة وتدبير الموارد المشتركة باعتبارها قضايا مندمجة لمختلف معاهدات السلم ، وإعلانات التعاون ومختلف الاتفاقات والاتفاقيات الناتجة من الجهود الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف.([19]) 

وبعد مؤتمر ستوكهولم حول البيئة البشرية "5-16 حزيران / يونيو 1972" البداية الحقيقية للتعاون البيئي الدولي، ولحظة تاريخية غنية الدلالة في مسار الحكومة البيئية الشمولية. وقد أسهم المؤتمر مباشرة في تحريك العمل البيئي في الدول الأوروبية - وفي مناطق كثيرة من العالم- وفي إحداث وزارات للبيئة في بلدان عديدة. و اعتمادا على السياق التاريخي للمؤتمر يعد هذا الاخير " أول وثيقة دولية معبرة حاولت أن تأكد بقوة على قضايا البيئة وأسهم المؤتمر أيضا في تطوير فرع القانون الدولي البيئي".

وتتعرض تطبيقات الدبلوماسية الخضراء وإكراهات متعددة منها: صعوبة الاتفاق البيئي الشامل وتعذر إضفاء الطابع النهائي على المفوضات البيئية، كما أن معركة المال والتكنولوجيا لا تحسم في أورقة المفاوضات بين الشمال والجنوب.

صعوبة الاتفاق البيئي الشامل:

من الدروس المستفادة من المؤتمرات الدولية وخاصة التغيرات المناخية صعوبة الاتفاق بين المتحاورين على نقط محددة وفي حالة حدوث توافقات معينة سرعان ما يتم في الجولات القادمة البدء من المربع الأول للتفاوض ويمكن تلخص هذه الصعوبات في المحاور الآتية: 

  1. لا يمكن أن تحدث الإجماع في مجال البيئي لاختلاف المصالح والتحالفات والرؤى السياسية والاقتصادية والتجارية كما أن فرص نجاح التفاوض الجماعي قليلة في المفاوضات الكونية. من هذا المنطلق نتساءل: هل هناك ضرورة لإنشاء التحالفات والمحاور البيئية لاستكشاف المصالح الضمنية والخيارات الممكنة والمتاحة؟ 
  2. الاحتياجات الاقتصادية المتناقضة لمختلف الوفود المتفاوضة على الساحة الدولية : المسؤولية التاريخية للغرب في المجال الانحباس الحراري ما يستوجب تعزيز التنمية الاقتصادية (أولوية الدول النامية) وإعادة تموضع نشاط الشركات العابرة للحدود نحو دول الجنوب (أولوية الدول الصناعية) .
  3. المشكلات البيئية تتجاوز الحدود الوطنية ما يصعب إيجاد الحلول الملائمة الشاملة: المسؤولية المشتركة من جهة والمسؤولية التاريخية من جهة أخرى فمن المسؤول؟

ينصب اهتمام الجنوب على التنمية الشاملة لأنه يعيش أزمات بنيوية مترابطة يتحمل الشمال جزءاً من مسؤوليتها .[20]

يبقى القول: إن الحَوْكَمَة البيئية في إفريقيا أصبح تطبيقها أكثر من ضرورة ولن يكون ذلك إلا بتضافر المؤسسات الوطنية والدولية والجهات غير الربحية وكذا راسمي السياسات والقطاع الخاص بشكل يحقق عناصر الاستدامة البيئية ويوقف النزيف البيئي الذي تشهده إفريقيا خصوصًا في مجال التصحر وتلوث المياه والهواء وتدهور نوعية التربة وإعادة صياغة منظومة التوطين أو ما يُسمى تنظيم المستوطنات البشرية بين الحضر والريف.[21]

الملاحق

جدول (1) : حجم النفايات الخطرة المتولدة في بعض دول إفريقيا (2016م)

المصدر   صبحي  رمضان فرج،  مرجع سابق

 

جدول (2) : صادرات النفايات الخطرة إلى بعض الدول الإفريقية خلال ثمانينيات القرن العشرين

المصدر صبحي

 

فيديو

 

* الأستاذ الدكتور بوحنية قوي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة ورقلة الجزائر. باحث متخصص في تحولات الدولة حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية بامتياز من جامعة الجزائر بإشراف مشترك مع جامعة باريس الثامنة سنة 2007. تنصب اشغال الباحث مؤخرا حول مواضيع الحوكمة ومسائل الشفافية في القضايا المرتبطة بمسار الانتقالات المختلفة في المجال السياسي والأمني. من مؤلفات الباحث إدارة المعضلة الأمنية وجيوبوليتيكا افريقيا سنة 2018 صادر عن دار الحامد للنشر بالأردن. ساهم الباحث في إنشاء مشاريع الدكتوراه والماجستير وهو يشرف حاليا على وحدة بحث حول مسالة العدالة الانتقالية في الدول المغاربية وعلى فرقة بحث في مجال التحول السياسي بالجزائر وهو رئيس تحرير المجلة الدولية المحكمة دفاتر السياسة والقانون. تم اختياره سنة 2013 كشخصية وطنية مؤثرة في الجزائر من قبل مؤسسة الاتصالات أوريدو وجمعية اقرأ. حصل الباحث على عدة جوائز بحثية داخل وخارج الجزائر. وهو عضو لجان التحكيم في مؤسسات أكاديمية دولية.

 

[1]  Comille Sarri , le Concept de résilience : dimension et portée , "Gouvernance et fragilité en Afrique et au Moyen-Orient " sons la direction de Mohamed Harkat Revue Marocaine d’Audit et de Développement , 2018,p :51/63.

2-هادية يحياوي ، التهديدات البيئة في إفريقيا المتوسطية في دراسة ضمن مؤلف جماعي تحت إشراف إدريس لكريني و الحسين شكراني ، البيئة في حوض البحر الأبيض المتوسط ( فضاء للشراكة ام مجال للتنافس )،منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية 2017.

[3]  للاطلاع أكثر على الموضوع يُراجَع: محمد عاشور، التغيرات المناخية وقضايا الصراع والأمن في إفريقيا، جامعة القاهرة، برنامج التدريب وبناء القدرات الإفريقية، 2015، ص 41.

[4] لمين هماش ، إستراتجية الأمم المتحدة لحماية البيئة : دراسة حالة الجزائر أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية جامعة ورقلة 2017/2018 ، ص 26/27. 

[5]  M B burke et all, “ warming inreases the risk of civil war in Afria”, proceeding of national academy of sciencesof the USA, vol 106 no 6, 2007 , pp695-715. 

نقلًا عن د/ محمد عاشور، المرجع السابق

[6]  "قمة المناخ في باريس: إفريقيا والفجوة التمويلية للتأقلم مع تداعيات المناخ، قراءة في الرؤية المصرية وكلمة الرئيس المصري في قمة المناخ"، موقع 60 دقيقة، (تاريخ الدخول: 30 مايو/أيار 2016):

 http://60minutese-eg.com/2015/11/30/51629/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%85-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AE-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87/#sthash.9NGtrUXO.dpuf 

[7] لمين هماش ، إستراتجية الأمم المتحدة لحماية البيئة : دراسة حالة الجزائر أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية جامعة ورقلة 2017/ 2018 ، ص 49 .

[8]   "استعدادات الدول للتعامل مع التغيرات المناخية"، سنيار، http://www.snyar.net/?p=63157

[9]  خلف الله عمر، التهديدات البيئية وفعالية الاستجابات السياسية في إفريقيا، مذكرة مقدَّمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية تخصص دراسات إفريقية، جامعة الجزائر 3 كلية العلوم السياسية والإعلام، 2011، ص54 وما بعدها بتصرف.

[10] أحاندو سيسي: التلوث البيئي في إفريقيا : واقعه و خطورته وسبل مواجهته قراءات إفريقية ، مجلة قراءات إفريقية، المنتدى الإسلامي أفريل 2018 ، ص 69 وما بعدها .

[11]  صبحي رمضان فرج ،النُّفايات الخطرة في إفريقيا: المخاطر وتحدّيات الحماية البيئية .

 http://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A7%D9%84%D9%86-%D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%AF-%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A6%D9%8A%D8%A9#sthash.pwC5ZaIx.dpbs

[12]  البيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، موقع البنك الدولي، (تاريخ الدخول 2 يونيو/حزيران2016).   http://web.worldbank.org/

[13]  تقرير مشترك بين الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الإنتربول 2016،

https://www.unenvironment.org/ar/news-and-stories/alqst/tzayd-mdl-aljraym-albyyyt-wkdhlk-aljhwd-almbdhwlt-lmnha

[14] https://www.unenvironment.org/ar/regions/africa/mlna-fy-afryqya

[15]  ماجد راغب الحلو ، قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة منشأة المعارف بالإسكندرية ، 2002 ، ص 17.

[16] صباح العشاوي ، المسؤولية عن حماية البيئة ، دار الخلدونية ، الجزائر 2010 ، ص 107 وما بعدها .

[17] مخاطر كثيرة في دول غرب إفريقيا":

http://arabic.irinnews.org/Report/4233/%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1-%D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7#sthash.6kOfEuyl.dpuf

[18] عبد الحكيم شتوي ، استثمار التراث النوازلي في صناعة قانون بيئي متوسطي : اسهامات في التأسيس ، ضمن مؤلف جماعي تحت اشراف إدريس لكريني ، الحسين شكراني "البيئة في حوض البحر المتوسط قضاء للشراكة أم مجال للتنافس ؟" ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية 2017.

[19]  شكراني الحسين ، نحو مقاربة بيئية للمياه العربية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 2012 ، ص 139 وما بعدها .

[20] الحسين شكراني ، نحو حوكمة بيئة عالمية ، مجلة رؤى إستراتيجية ،العدد الرابع ، أكتوبر 2014.

[21]  للاطلاع على تفاصيل أكثر حول مخاطر البيئة في منطقة إفريقيا والساحل تُطالَع الدراسات التالية:

 Mike chanahan, “Les changements climatiques en afriques”, 2014.

http://unesdoc.unesco.org/images/0022/002271/227151F.pdf

B. osman elasha, “Impacts des changements climatiques adaptation et liens avec le development durable en afrique”, (Visited on 10 Jun 2016):

http://www.fao.org/3/a-i0670f/i0670f03.pdf

أضف تعليقاتك

Your email address will not be published*

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

إدارة اشتراكاتك في الرسائل الإخبارية
اختر نشرة أو أكثر ترغب في الاشتراك فيها، أو في إلغاء اشتراكك فيها.
حتى تصلكم رسائل بآخر فعالياتنا وبمستجدات المركز

عنوان البريد الإلكتروني للمشترك

Copyright © 2011-2024 جميع الحقوق محفوظة مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق