إعلام الأمة المصرية وإحداث التغيير بتطبيق المقاصد الشرعية

رشا عمر الدسوقي*

 

ملخص

يعالج البحث قضية التغيير المقاصدي للواقع الإعلامي من خلال أربعة مباحث، لكل منها ثلاثة مطالب. ويبدأ بالتأسيس لقضية الإعلام بتعريفه وتأصيل نموذج التنزيل ونقل الخبر وتلقي البشر للبلاغ المبين من سيد الخلق أجمعين. ثم يشرح كيف أرسى القرآن وأرست السنة للقيم الأخلاقية وأمانة "الكلمة" وكيفية حفظها من جانب الوجود والعدم وضرب مثلاً تطبيقياً لعلم الجرح والتعديل الذي اشترط الصدق والأمانة والعدل والتثبت في نقل الخبر. ثم انتقل البحث إلى طرح مشكلة إعلام الواقع المعاصر بصورة مفصلة وكيفية حلها عن طريق المقاصد العقدية والشرعية. فشرح كيف لعب الإعلام دورا خطيرا في التحريض ضد الثورة المصرية والانقلاب على الشرعية واثارة الاضطرابات لإسقاط الدولة. وشرح كيف تعارضت مصلحة الإعلام السياسي في الواقع المعاصر مع المصلحة الشرعية بتحليل مآلات الأخبار والحوار، وتغييب العقل.  ثم فَصل البحث لمعنى البغي والإفساد في الأرض وانتقل إلى تحليل الإعلام الفني وأثر الصورة على العقل، وشرح كيف ارتكب بذلك جرائم مخلة بالآداب، بنشر الفساد الخلقي والتحريض عليه ونشر العنصرية الصارخة ضد المرأة المصرية بطمس هويتها والباسها ثوب الفتن والفاحشة والجريمة والمخدرات وثبت الأنماط المغلوطة في ذهن المتلقي ليجني من وراء تمك الإثارة والنمطية الثروات المادية الطائلة. ثم يختم البحث بطرح الحلول المقاصدية الشرعية بإزالة الضرر وسد الذرائع وتطبيق ضوابط المصلحة وناقش حفظ العقل والنفس ومآلاتهما، والخطوات العملية للإصلاح عن طريق القوانين الدستورية وتفعيل الرقابة على الفساد واعادة المنظومة الأخلاقية في الإعلام المرئي وطرح البدائل الفنية والبرامج الإصلاحية لتغيير واقع الأمة المصرية وانقاذ الأسرة والشباب لتحقيق المهمة الاستخلافية الشرعية.

 

المبحث الأول: التأصيل العقدي والمقاصدي للإعلام

 

المطلب الأول: المثل الأعلى لنقل الخبر

إن العملية الإعلامية مؤسسة على ثلاثة محاور، بدونها لا تكتمل. وهذه المحاور هي المُلقي، ووسيلة الإلقاء، والمتلقي. ولتفصيل ذلك الأمر لابد لنا من نظرة متفحصة للمثل الأعلى للخطاب الإعلامي والذي حققه خالق الخلق ومالك الملك بإبلاغ كلامه إلى خلقه، عن طريق الملك جبريل عليه السلام، الذي أناطه بإنزال الرسالة على خاتم النبيين وإمام المرسلين، وسيد الخلق أجمعين، سيدنا محمد ﷺ والتي أرسى بها قواعد البلاغ المبين إلى الصراط المستقيم. إن كلام الله، عز وجل هو المنبع الذي استقى منه النبي تعاليمه السامية لتوجيه البشرية وتفهيم الناس لم خُلقوا، فحدد لهم هدف وجودهم على الأرض، وسبيل خلاصهم، وخيارهم العقدي والشرعي وأوضح لهم زوال الكون فأراهم مثواهم الأخير عند خروجهم من الدنيا وأراهم سكناهم في الدار الآخرة. فأصبح لوجود الناس معنى، ولعملهم هدف، ولسلوكهم معايير انضباط أصّلها المنهج الأخلاقي للقرآن الكريم.

وهذه الرسالة السامية، البليغة، المانعة، الجامعة، الشاملة التي هي قمة الإعجاز قد أرست الأسس لأعلى القيم وأسماها، فأبانت قواعد التكليف والاستخلاف. فلا يُستثنى إنسان من التكليف والانصياع لأمره تعالى شاء أم أبى. لكن يحب الله تعالى أن يأتي إليه البشر طائعين، لاقتناعهم بالمنهج وانعقاد قلوبهم عليه حباً وتفضيلاً، لأنه وافق هواهم وما يرتاحون له إذا فهموه وقدروه حق قدره. ولو شاء الله لأنزل على خلقه من البشر آية من السماء، فظلت أعناقهم لها خاضعين لكن ﴿لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ﴾ [البقرة:256]، ولا يجبر أحد عليه؛ وتكرر هذا المعنى، فأصبح قيمة جوهرية في كنه مبادئه، كما في الآية: ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق:45]. وتأكيداً على ذلك؛ فقد أوضح لنا سبحانه أنه حرم الظلم على نفسه، جل وعلا، وأمر البشر ألا يظلموا، وحرّم القهر والإجبار والإكراه بجميع أنواعه؛ فكفل حرية الاختيار والفكر، ووهب العقل من أجل الفهم والتفاهم والتشاور دون عنف أو تعنيف أو ترهيب. هكذا كرم الله العقل البشري، ومنح الإنسان القدرة والإرادة، التي بها يتحقق تكريمه وتكليفه ومسؤوليته. لكن الإنسان ليس ملاكاً مجبولاً على الطهر والطاعة؛ فهو يخطئ ويعصي ﴿وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران:129]. وهو الذي علم الإنسان أنه يعلم السر وأخفى؛ ﴿لِّلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:284].

هذه الرسالة المبسطة حرفها اليهود والنصارى عن موضعها الأصيل، فأفرغوها من عقيدة التوحيد الخالص، ألوهية وربوبية، أسماءً وصفات، أحكاماً وتشريعات. لهذا حمل الإنسان المسلم الأمانة عن الأرض والجبال والسموات وقد أنيط بمهمة الخلافة والعمارة والتبليغ دون تحريفات وإغراق في التفسيرات، وهي من المقاصد العالية أو العامة للشريعة فبها تتحقق مهمة الإنسان العليا التي من أجلها رفعه الله على سائر الكائنات[1]. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر وَ رَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70]. وإن أنكر البشر تلك الرسالة وتنصلوا من أعبائها، فإن الأمة الإسلامية قد أخذت على عاتقها الاستخلاف واستمرار الدعوة إلى كتاب الله المنير وهدي نبيه سيد الخلق أجمعين بإعادة البلاغ للناس جيلاً بعد جيل.

إن بلاغ التنزيل المبين وضع معالم مسيرة الإنسان في الأرض، فأوضح له مقاصد الخلق ومقاصد الشرع في أكثر من موضع في القرآن وأنه لم يخلقه عبثاً وأن مسيرته محسوبة عليه يؤاخذ عليها حين يلقاه يوم تنتهي الدنيا؛ ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر:67] ﴿يَومَ يَطوي السماءَ كَطيِ السِجِلِ للكُتُب﴾ [الأنبياء:104]، ويحذر الله تعالى من التقليل من شأن خلق الكون قائلاً: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الأنبياء:16]. ويذكرنا فيقول سبحانه: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون:115–116]. ثم يتبع مقصد الخلق الكوني مقصد الخلق البشري بالتكليف بالخلافة صريحاً ومكملاً له في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ. قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَاتَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:30]. وفي قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:74].

 

المطلب الثاني: التأصيل القيمي، الأخلاقي في القرآن

 

أولاً: التعريف اللغوي

كلمة إعلام من لفظ عَلِمَهُ كسمعه، ومن لفظ عَلَمه عِلماً بمعنى عَرَفَهُ وعَلِمَه. ورجل عالم وعليم، وعلَمه العلم تعليماً وعِلاماً وأعلمه إياه فتعلمه[2]. وعلم بكسر فسكون من عَلَم جمعها علوم؛ وتعني الإدراك وهو إدراك الشيء بحقيقته[3]. وأعلـَمَ بالشيءِ أي أبلـَغ عنه وأخبرَ به، ومنه التعليمُ أي تبليغُ المعلومات.  واصطلاحاً هو الإخبارُ بالأحداثِ، ونشرُ المعلوماتِ والمعارفِ وانتقاؤُها والتدقيقُ في صِحّتِها. والعلم والإعلام يأتي بالقول. فوسيلة الإخبار الكلمة. ويدخل في الخبر القصص من لفظ "قص" ومعناها تتبع الخبر كما في الآية ﴿فَارتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا﴾ [الكهف:64]، ﴿ونَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ﴾ [يوسف:3] أي نبين أحسن البيان، والقاص من يأتي بالقصة[4].

 

ثانياً: التعريف الاصطلاحي

أوضح القرآن أن الاستخلاف يتحقق بالقول والعمل. فالإنسان مسؤول عن أقواله التي تصدقها أعماله. وحين ميز الله تعالى الإنسان بالعقل، مناط التكليف، فذلك لأنه وسيلة إرسال واستقبال، ومخاطبة، وتوجيه، وإقناع من أجل إعلاء كلام الله والإعمار، والنهضة، والتقدم، وتحقيق الازدهار الحضاري على كافة المستويات. إلا أن ذلك لا يمكن حدوثه إلا بتحقيق مقاصد العقيدة وإفراد الله بالعبادة والطاعة والانقياد وبإعمار القلوب بالإيمان والأرواح بالقرآن والضمائر بالتقوى. فلا يكتمل عمل إنسان، ولا يثمر إلا إن كان يُرضي الله فيقبله ويوافق أحكام شرعه فلا يجلب عليه سخطه. وقد أقر الإنسان بذلك الالتزام مع خالقه سبحانه. قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف:172-173].

 

ثالثاً: حفظ الكلمة من جانبي الوجود والعدم

أ: من جانب الوجود

لما كانت وسيلة الإعلام هي الكلمة فالكلمة تتعلق بالقول، وقد ورد لفظ "القول" في مواضع كثيرة تبين كيف حفظه الله من جانب الوجود فأمر الناس بطاعة الأمر في الأقوال والالتزام بأوصافها فقال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة:٨٣] و﴿قَولًا كريمًا﴾ [الإسراء:23] و ﴿قَولًا مَيسورًا﴾ [الإسراء:28] و ﴿قَولًا لَيِّنًا﴾ [طه:٤٤] و﴿قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾ [الأحزاب:32]. وأمر بالتقوى أولاً قبل الكلام فقال: ﴿فَلْيَتَّقُوا اللَّـهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء:٩] تكرر في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب:70]، وهو قول الصواب والحق، ووصفه بالبليغ وأمر سيدنا محمد ﷺ به؛ ﴿وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ [النساء:63]، أي بالغاً منتهاه وأقصاه.

ويرد القول في القرآن بمعنى الخبر والإخبار في قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة:4] ومعناها الأعمق في كلمة خُبرا في الآية: ﴿كَيفَ تَصبِرُ عَلى ما لَم تُحِط بِهِ خُبرًا﴾ [الكهف:68] ﴿كَذلِكَ وَقَد أَحَطنا بِما لَدَيهِ خُبرًا﴾ [الكهف:91]، بمعنى معرفة الحقيقة باطنها وظاهرها وشموليتها ومقصودها واليقين بها. علّمنا الله تعالى أن القول قول الحق لا غير، كما في الآية ﴿قَولُهُ الحَقُّ﴾ [الأنعام:73] وألا يجب أن يكون إلا صدقاً، فأصدق الأقوال قوله تعالى؛ ﴿ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ قِيلًا﴾ [النساء:122] والصدق في القول هو صدق الحديث؛ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا﴾ [النساء:87].

ب: من جانب العدم

كما حفظ الله القول من جانب العدم فنهى عن قول السوء إلا في حالة الظلم: ﴿لَّا يُحِبُّ اللَّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّـهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء:148] ونهى عن النفاق القولي كما في الآية: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: 167] ونهى عن الكذب في الأقوال عامة وسماه افتراءَ: ﴿الذين يفترون على الله الكذب﴾ [يونس:69]. والافتراء أو اختلاق الأقوال على خلاف الحق وُصِف أنه يجلب العذاب ويؤدي إلى الخيبة كما في سجال سيدنا موسى مع اليهود: ﴿قالَ لَهُم موسى وَيلَكُم لا تَفتَروا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسحِتَكُم بِعَذابٍ وَقَد خابَ مَنِ افتَرى﴾ [طه:61]، والخيبة هي الخُسْرَانُ واليأس والإِخْفَاقُ وعدم تحقيق ما كان يُرْجى، وهي كناية عن الفشل وعدم الفوز بما كان متوقّعًا. ويعد الإفك افتراءَ كالذي اختلقه الكفار عن القرآن حين بلغهم من النبي ﷺ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ﴾ [الفرقان:4] وكُرر هذا المعنى وفيه توضيح لجسامة الجرم في القول على الله ما لم يقل أو على المبلِغ عنه ﷺ؛ ﴿أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل إِنِ افتَرَيتُهُ فَعَلَيَّ إِجرامي وَأَنا بَريءٌ مِمّا ُتجرِمونَ﴾ [هود:35]. وإن كان الإجرام يكمن في القول فإن ذلك يشير إلى عدم الإيمان بالله والمبلِغ عنه أصلاً ﷺ؛ ﴿إِنَّما يَفتَرِي الكَذِبَ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِآياتِ اللَّـهِ وَأُولـئِكَ هُمُ الكاذِبونَ﴾ [النحل:105].

كما نهى تعالى عن تحريف الكلام وتبديل أصوله مثلما في قضية تحريف القرآن على يد اليهود وورد ذلك في آيات كثيرة؛ ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة:59]، ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [المائدة:13]؛ ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:75] و﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّـهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء:46].

 

المطلب الثالث: التأصيل القيمي الأخلاقي في السنة

هذه هي أسس الأخلاق القولية في القرآن وهي مبادئ عامة أكثرها يشير إلى قدسية الكلمة، وحين نزل القول الثقيل على نبي الرحمة ﷺ تكبد ما نعرفه من مشاق ليحفظ الرسالة التي اؤتُمن عليها مؤكداً حمل أمانة الكلمة في الإخبار والإبلاغ. وقد أثبت النبي ﷺ هذه المعاني في سنته القولية فقال «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الرجل ليكذبُ حتى يُكتبَ عند الله كذاباً» وقال: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإنه يعني الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً»[5]. وقول الصدق يعكس معاقد الإيمان القلبي كما شرح النبي؛ فإنه «لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيمُ لسانهُ، ولا يدخلُ الرجلُ الجنة لا يأمنُ جارهُ بوائقه»[6]. ونصح ﷺ أمته بالقول السديد كما في القرآن فقال: «إن الله عز وجل أمرني أن آمركم بتقوى الله وأن تقولوا قولاً سديداً ثم تخلل إلى النساء فقال لهن الله أمرني أن آمركم أن تتقوا الله وأن تقولوا قولاً سديداً (وفي رواية) قال في النساء إن الله أمرني أن آمركن أن تتقين الله وأن تقلن قولاً سديدً»[7]. والقول السديد هو الصادق الخالي من الكذب والافتراء، وهو قول الحق وعكسه الباطل الذي يحيله إلى السقوط فهو زائل لامحالة. كما حذر النبي ﷺ مما يُحَدِّثُ به الناس لأن من أسباب تعمد الكذب في القول أن يُقذف المرء بكلامه في النار: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم»[8]. وسأل معاذ النبي ﷺ عن عمل يدخله الجنة فرد عليه: «قال ألا أُخبرُك برأسِ الأمرِ وعمودُه وذروةُ سَنامِه، رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصلاةُ، وذروةُ سَنامِه الجهادُ في سبيلِ اللهِ ثم قال ألا أُخبرُك بمِلاكِ ذلك كلِّه قلت بلى يا رسولَ اللهِ، قال كُفَّ عليك هذا وأشار إلى لسانِه، قلت يا نبيَّ اللهِ وإنا لمؤاخذونَ بما نتكلمُ به؟ فقال ثكِلَتك أمُّك يا معاذُ ، وهل يكبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم إلا حصائدُ ألسنتِهم»"[9].

والدليل على حتمية توخي الدقة في نقل الخبر وفقاً للضوابط الشرعية نجده في نموذج علم رواية الحديث عن النبي ﷺ، الذي اشتُرطت فيه العدالة وانتفاء الفسق إذا لم يتواتر مصدره، وأن يكون مستفيضاً أو مشهوراً تتناقله الجماعة التي يستحيل تواطؤها على الكذب. ثم إن الرواة عن النبي ﷺ لهم درجات من الصدق والأمانة والتثبت ولهم طبقات. ولحرص الصحابة على حمل الأمانة ونقلها كما سمعوها بذلوا الجهد في مراجعة بعضهم بعضاً ليكونوا أهلاً لنقل الحديث وليتأكدوا من نص الخبر والأثر. فهذا الضابط الشرعي منع التعجل في نشر الأخبار لما لها من وقع الانتشار السريع على مسامع الناس وتزداد بتناقلها. فلا يجوز نقل حديث مكذوب أو موضوع عن النبي ﷺ لأن الناس يكسبوه مرتبة الصدق، زيفاً، بنشره[10]. وقال الله تعالى للمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات:6]، كما حذر النبي من نقل المُتلقي للخبر دون التحقق من مصدره فقال: «كفَى بالمرءِ إثْمًا أن يحدِّثَ بِكلِّ ما سمِعَ»[11]. ونهى عن القيل والقال؛ وفي هذا التثبت إعمال للعقل وتمايزه.

يتحقق المقصد العقدي والشرعي لنقل الخبر كما تأصل في القرآن والسنة، أولاً بنقاء القلب ونقاء القصد حالاً ومآلاً، فالمقصد الآني هو تحقيق مصالح الأفراد والجماعات وخدمتهم ونفعهم وعدم التسبب في إضرارهم والحفاظ على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ودينهم. والمقصد المآلي هو إتمام مهمتهم الاستخلافية. إذن لابد من "اعتبار مآلات الأفعال التي تهدف إلى تحقيق موافقة الأفعال في الظاهر والباطن والحال والمآل للمقاصد والغايات التي قصدها الشارع، وإلى استجلاب المصالح ودفع المفاسد ورفع المشاق عن المكلفين، والوقايـة من مناقضة المقاصـد التـي رعاهـا الشـارع عند تطبيق الأحكام، وذلك بالعمل على التوافق بين مقاصد التشريع وبين التطبيق"[12] وعند تنزيـل الأحكـام على الواقـع وتطبيقهـا على الوقائـع والمكلفين "يُنظـر إلى المآلات والعواقب التي يفضي إليها التطبيق لمعرفة تداعيات تنزيل الحكم المستقبلية والبناء عليها في الحكم على الفعل، لئلا يفضي عدم اعتبارها إلى وقوع الفعل مناقضاً لما قصد به شرعاً، فمعرفة حكم الفعل لا تغني عن الاجتهاد في تطبيقه ومعرفة آثاره المترتبة عليه"[13]. لهذا لابد من منع الفعل الضار قبل الإقدام عليه تحسباً لتفاقم المفسدة. والإعلامي مسؤول عما يحققه من مصلحة لمجتمعه ووطنه وأمته كماً يُسأل الفرد في أسرته عن رعيته، والفلاح والعامل والطبيب والمهندس، كل في مهنته[14].

ففي علم المقاصد، عُرفَت المصلحة بأنها تطبيق مقاصد الشريعة كاملة مع مراعاة تداخلها وترابطها. وقد أكد العلماء المقاصديون أن "المقصد العام من الشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة، ومن إصلاح في العقل وفي العمل، وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع"[15]، وقال الإمام محمد الطاهر بن عاشور "إن المقصد العام من التشريع هو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان، ويشمل صلاحه صلاح عقله، وصلاح عمله، وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه[16]". وقال أحمد الريسوني "إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد"[17].

فصلاح الناس وإصلاح أحوالهم لا يتحقق بتسخير الأموال والثروات لتكون دُولة بين الأغنياء الذين يتحكمون في وسائل الإعلام ومقاليد أمور البلاد فيشكل هؤلاء طبقة متحكمة في مصائر الناس، توجه عقولهم، وتسيطر على فكرهم، وتستغل ضعف نفوسهم لتحَقق أغراضاً تضر بدنياهم وآخرتهم. إنما الإصلاح يأتي بتسخير ذلك المال ليحقق حفظ الضروريات الخمس، العقل والنفس والعرض والمال من أجل إعلاء كلام الله، وحفظ الدين لتتوارثه أجيال الأمة الإسلامية في المستقبل تحقيقاً للاستخلاف في الأرض.

لكن الإعلام في زمننا هذا تخلى عن ضوابط الشرع وشروط مقاصده، فاختلط فيه العلم النافع بالترفيه المدمر والسياسة المزيفة والأخبار المبنية على الشائعات التي تحطم بلاداً إسلامية بأكملها بسبب تحكم أصحاب المال فيما يبث وفيما يقال. ولا شك أن وظيفة الإعلامي أخطر من أي وظيفة أخرى بسبب قدرته على الوصول بالوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية إلى أكبر عدد من الناس على كافة المستويات الثقافية والاجتماعية. لهذا كان تأثيره شديداً ومنتشراً، وينفذ إلى الأسماع والأبصار والأفئدة ويتحكم في أمن البلاد القومي وما يصدره للمجتمع الدولي. يتضح لنا هذا من التحليل التالي لواقع الإعلام المصري بعد ثورة 25 يناير 2011.

 

المبحث الثاني: تعارض الإعلام السياسي مع المصلحة الشرعية

 

المطلب الأول: مآلات تمويل الأخبار والحوار

تشمل أنواع الإعلام الصحف والمجلات، والإذاعات والقنوات الفضائية، أو ما يسمى بالإعلام المرئي، بما في ذلك الأفلام والمسلسلات كما تشمل شبكة المعلومات الدولية (الإعلام الإلكتروني). وقد شكلت مصلحة القوى العظمى ومصلحة الكيان الصهيوني أولوية في تسخير الآلة الإعلامية. فإذا اتخذنا الإعلام الإخباري والحواري المصري مثالاً لمعرفة حجم الفساد الموجود على أرض الواقع، ظهرت لنا واتضحت سبل الإصلاح. فقد تصاعد تمويل الفضائيات وقنوات التلفزة بصفة عامة في العقد الأخير وكذلك بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث دخل قطاع الإعلام الملايين من الجنيهات دون مبرر واضح؛ مما يشير إلى أن الهدف من التمويل هو الضغط السياسي على إدارة الدولة وليس تحقيقاً لأية منفعة اقتصادية. ولقد أثبتت التقارير أنه "توجد حوالى أربعين شركةً تمول تسعاً وستين قناةً فضائيةً باللغة العربية وبعد الثورة أضيفت ستَّ عشرةَ شركة أخرى أفرزت اثنين وعشرين محطةً فضائيةً أخرى"[18]. "كما كشف السفير فرانسيس ريكياردون أن الولايات المتحدة مولت وخصخصت قنوات فضائية بستةَ عشرَ مليون دولارٍ"[19]. ولهذا ففي البرامج الإخبارية والحوارية (Talk Shows) يقوم مضيفو البرنامج الحواري بدعوة واحد من الإسلاميين وآخر ممن يمثل الإيديولوجيات الليبرالية أو المضادة للإسلام. ويدير المضيف الحوار منحازاً إلى الضيف المناهض للرئاسة وممثلوها من التيار الإسلامي لإقناع المشاهد بالاضطراب السياسي، فيخرج المشاهد بانطباع عن فشل النظام الحالي ويسخط على الرئاسة ومؤيديها.

وبسبب ما لمسه القائمون على أمن البلاد من مفسدة عظيمة، هدفها التدخل في السياسة الداخلية المصرية وتوجيه الانتخابات البرلمانية عن طريق التمويل للمنظمات الأهلية والتحكم في القرارات السياسية، "صدر حكم عسكري بإغلاق تلك المنظمات الممولة التي هدفت إلى تأييد الأحزاب المغايرة للتيار الإسلامي. كما أثبتت الشهادات الموثقة للمخابرات العامة والمركزية انعقاد المئات من الورش التدريبية لاستقطاب الناخبين خاصة في الأماكن الفقيرة لتلميع صورتهم في القنوات المحلية والدولية وفضائيات الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يتركوا بابًا للتواطؤ بالعمالة الخارجية إلا وطرقوه حتى جلبوا المدربين من الصرب لدعم ثلاثةٍ وستين حزباً"[20].

 

المطلب الثاني: تغييب العقل

لقد فُقدت مهمة الاستخلاف في عصر حسني مبارك، الرئيس المخلوع. وتوقفت عمليات التوعية الإعلامية الإسلامية الوسطية التي تنشر سماحة الدين بين الناس، فغاب الوعي وتراخت القيم، وأقصيت تماماً بل وعوقب من تصدى للدعوة إلى الله والمكملة لمسار الصحوة الإسلامية منذ أواخر الستينات. فاستمرت الأمية الدينية في عملية تراكمية على مدار سنوات العصور البائدة. ونتج عن تغييب دور الإعلام وفقاً للمعايير القرآنية والنموذج النبوي أن تلاشت الأخلاق النبيلة، وفقدت المهنية، وتخلى الإعلام عن دوره التوعوي الإصلاحي والتربوي، وعن أمانة الكلمة، فَغُيِّبَت قدسيتها، واستهين بثقلها وأثرها على كل من سمعها، فحدث الخلل وتجرد الإعلام من مرجعياته التي التزم بها في ميثاق الشرف الإعلامي[21] وانقسم الإعلام فصار إعلام الحزب، وإعلام السلطة، وإعلام النظام، وإعلام الدولة، وفُرض الحَجر على الرأي وحرية التعبير.

وبسبب هذا الخلل، استُخدم الإعلام كأداة لعلمنة الدولة المصرية، وإفساد العقول فكان وسيلة حادة لخلخلة الثوابت القيمية وصار قوة تتحدث بلسان الثورة المضادة فبيض وجه النظام القديم[22]. وهكذا، خلق حالة من الاضطراب الداخلي وصدر للعالم الخارجي رسالة طمأنة أنه يقوم بدوره في دعم المبادئ العلمانية والليبرالية واللادينية. فصار الإعلام إعلاماً منزوع الضمير وعمل على اختطاف برنامج الثورة لينسي الناس حقيقتها خدمة للخط العلماني. ولعب دوراً خطيراً في حشد الجماهير لقلب نظام الحكم والخروج على الرئيس المنتخب فأعاد تمجيد الرئيس المخلوع نفسه الذي خدم العلمانية طيلة مدة حكمه. لقد سيس الإعلام الثورة لكسب مؤيدي النظام السابق[23] وشن حملات إعلامية للمصالحة والإفراج عن جميع كياناته، التي ما قامت الثورة في الأمس القريب إلا لتتخلص منها وتطهير البلاد ممن أفسدها وجرها إلى الدمار. ونرى أنه كما دأب اللوبي الصهيوني على إشعال الإعلام المساند لقضاياه والعمل على تزامنه مع الأحداث السياسية الساخنة والمحورية لتحقيق كسب الرأي العام محلياً ودولياً[24] كذلك فعل الإعلام المصري العميل بعد قيام ثورة 25 يناير 2011.

لم يرض أتباع النظام السابق بالثورة والتغيير، وظهور نظام جديد يُنهي مصالح السابقين والمنتفعين والانتهازيين والطفيليين والمرتشين. فصار الإعلام معول هدم لتكريس أخبار التخلف والركود الاقتصادي والسخط الاجتماعي وروج لإثارة التناحر والفتن بين العوام الذين غاب عنهم الوعي الديني السياسي والقيمي[25]. وكرس الإعلام الأحداث الكارثية فنتج عنها قتل وتدمير منذ اللحظة الأولى للثورة ونجح في افتعال الأزمات، ونشر الشائعات مثل إشراف البلاد على المجاعة، والإفلاس، وخداع البسطاء باستخدام مصطلحات مستعارة من الغرب العلماني لتسويق برنامج الثورة المضادة باسم مسرحية الديمقراطية مثل "المعارضة" و"الأحزاب والسياسية" في حين أن الديمقراطية الغربية بتعدديتها الحزبية تمنع الفوضى والتطاول على من تحصن بإرادة الشعب الانتخابية. واتضح أن الإعلام يشن حملاته المضادة للاستقرار المصري بسبب الخارطة السياسية للشرق الأوسط وما سمي "بالربيع العربي"، فالخارطة تتغير وتتغير معها حسابات الكيان الصهيوني ودعاماته الأمريكية. فتناغم الإعلام مع أدوات النظام السابق من أجهزة استخبارية أو شرطية عميلة أو بلطجية (ممن قُبض عليهم وسُرحوا) وسياسيين عملاء، فخضع للمتحكمين في القوى الخارجية. ولم يخف على العامة والخاصة أن جهاز الموساد كان يشكل قوة لا يستهان بها في حراسة نظام الرئيس المخلوع ولهذا استخدم معلوماته في تحقيق التدمير على أرض الواقع بأبواق إعلامية متجانسة معه[26].

قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَخونُوا اللَّـهَ وَالرَّسولَ وَتَخونوا أَماناتِكُم وَأَنتُم تَعلَمونَ﴾ [الأنفال:27] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النساء:107] و﴿اللَّـهَ لا يَهدي كَيدَ الخائِنينَ﴾ [يوسف:52] وحذر من الخونة وأمر بأن لا يكون لهم عهد فقال سبحانه: ﴿وَإِمّا تَخافَنَّ مِن قَومٍ خِيانَةً فَانبِذ إِلَيهِم عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّـهَ لا يُحِبُّ الخائِنينَ﴾ [الأنفال:58]. فالمؤمن ينعقد قلبه على معاقد الإيمان الستة ونقضها يخرجه من الطاعة بإنكاره التكليف[27]. لأنه "إن لم يملأ كيان وعقل وقلب المؤمن، الله سبحانه وتعالى بكل أسمائه وصفاته، واليوم الآخر بكل أحواله وأهواله، وإن لم يدرك المسلم غاية وجوده ويتجه إليها بصدق وعزم، فلا يمكن أن يكون هناك إيمان حق ولا تغيير ولا نصر و لا تأييد"[28]. وإن قرأ القرآن ولم يعرف من أنزله، ويتقه حق تقاته، وتاب به توبة نصوحاً "لن تهزه الواقعة ولا القارعة ولا الزلزلة ولا الحاقة ولا الطامة ولا الصاخة"[29].

لقد ضرب الإعلام المصري العميل عرض الحائط بمقاصد الشريعة في حفظ العقل المتلقي للتكاليف الشرعية حين نشر المفاهيم الفوضوية عبر الأبواق المسموعة والمرئية، واستغل نقاط الضعف عند الجاهلين وضحايا الأمية، واستغل عدم وعيهم الكافي بمخاطر الامتداد الامبريالي الأمريكي والصهيونية والعلمانية في السياسة الداخلية. وعول على عدم فهمهم لدينهم وتجهيلهم لعدة عقود مضت بصورة كاملة فاستمالهم وأغواهم لترديد ما يسمعون دون تفكير أو تعقل أو وعي مدروس. وانتشرت الشائعات بين عامة الشعب كانتشار النار في الهشيم فتسببت في الفساد، واستئساد المفسدين.

 

المطلب الثالث: البغي والإفساد في الأرض

إن الإعلام المضاد للثورة والتغيير الشامل للدولة المصرية لم يترك ممثل الشعب المنتخب لاستكمال مسيرة النهضة ببناء واستقرار مؤسسات الدولة. وافتعل الأزمات وقسم أدوار المعارضين ممن اشتراهم بالمال، وممن دُعِموا بسلاح مكلِف لا تملكه إلا أجهزة أمنية ممولة تمويلاً ثقيلاً، ثم أحدث الهمجية المنظمة بتلميع المعتدين على رمز الدولة وهيبتها بالهجوم على قصر الرئاسة لتجريف الإرادة الشعبية ورمزها. ثم بدأ في التجييش المجدد لأجهزته لإتمام الانقلاب على الشرعية عند قطف أول ثمار الاستقرار بإعلان دستور الدولة.

ثم سار الإعلام جنباً إلى جنب مع مثيرو الشغب والثورة المضادة لتستمر الاضطرابات. فروَّج لحل البرلمان، وتم حله، رغبة في حصار الجهاز الرئاسي وتقزيم دوره وكان خط دفاع الرئاسة هو الإعلان الدستوري وإرساء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور لتجنب الوقوع في الرجوع إلى مربع الصفر. فصدَّر الإعلام للمشاهد المصري ثورة المعارضين وظن الجميع أن المعارضين يمارسون حقهم السياسي وهم في الحقيقة ينفذون برنامج "لي الذراع" للوصول إلى إجهاض الثورة التي تُغير مكانة مصر بين الدول وتدفع باقتصادها وتعوضها عن النهب والنصب والفساد الكائن على جميع الأصعدة. والأهم من ذلك أنه إذا استكمل الرئيس المنتخب بإرادة شعبية وانتخابات نزيهة برنامجه النهضوي، كُشفت تفاصيل المؤامرة وفُضحت الجرائم المستترة ومارس القضاء الحقيقي دوره في معاقبة الجناة وسقطت الأقنعة المزيفة لمن يدَّعون حبهم للوطن. وهذا يفسر رعب المعارضين والإصرار على تحديهم للرئاسة والتطاول عليها[30].

في توصيف ما آل إليه الإعلام المصري قيل: "وفق كل المذكرات التي نشرها جواسيس سابقون في معظم أنحاء العالم لاسيما الجواسيس الإسرائيليون الذين عملوا ضد مصر والدول العربية تعتبر الصحافة ووسائل الإعلام مصدراً رئيسياً من مصادر المعلومات، كما تعتبر الصحافة ووسائل الإعلام أيضاً مصدراً رئيسياً لخدمة العدو في ترويج الشائعات وضرب الأمن القومي لمصر لصالح العدو، ومع تحول كثير من الصحف ووسائل الإعلام المصرية إلى مزابل تزكم الأنوف وتصيب الإنسان بالاشمئزاز صباح مساء من حيث الفبركة والأكاذيب وتناول أعراض الشرفاء، فقد اكتشفت أن هناك ما هو أخطر من كل ذلك ولا يلتفت إليه كثير من الناس ألا وهو ما تقوم به تلك المزابل الإعلامية من تدمير للأمن القومي المصري وتنفيذ الخطط الإسرائيلية والأهداف الكبيرة لأعداء الوطن من خلال بثهم للأكاذيب والقصص المفبركة والشائعات التي تمس مصر وأمنها وسيادتها واستقرارها، مستغلين انشغال الناس بالفوضى الداخلية والصراع السياسي القائم في البلاد"[31].

مما سبق نستنتج أن الإعلام لعب دور المتستر على الأنظمة الفاسدة والدفاع عنها وخدم المتربصين بالإسلام وحقق ما تصبو إليه الصهيونية بكيانها المتاخم للحدود المصرية ولم تكن مهمة الخلافة والإعمار أو مصلحة الوطن ولا أمنه على قائمة أعماله. فحين أعطى انطباعاً بالاضطرابات المستمرة جرأ أعداء الوطن على التعدي على أبنائه وممتلكاته فادعى شائعات الانفلات الأمني الصارخ في صحراء سيناء التي دفعت بعض المتواطئين إلى قتل بعض الجنود واختطاف البعض الآخر.

من الناحية الفقهية، روج الإعلام لمرتكبي الجرائم السياسية التي تستوجب إزالة الضرر بالعقوبة الشرعية. وتسمى الجريمة السياسية في اصطلاح الفقهاء "البغي"، ويسمى المجرمون السياسيون "البغاة" أو "الفئة الباغية". ولتوصيف الجرائم بهذا الوصف الفقهي هناك بعض الشروط التي وضعها العلماء منها: "أن يكون الغرض من الجريمة إما عزل رئيس الدولة أو الهيئة التنفيذية، وإما الامتناع عن الطاعة، فإذا توفر الغرض على هذا الوجه مع توفر الشروط الأخرى كانت الجريمة سياسية والمجرم سياسياً. أما إذا كان الغرض من الجريمة إحداث أي تغيير يتنافى مع نصوص الشريعة، كإدخال نظام غير إسلامي يخالف النظام، أو تمكين دولة أجنبية من التسلط على البلاد، أو إضعاف قوة الدولة أمام غيرها من الدول، إذا كان الغرض من الجريمة شيئاً من هذا أو مثله، فإن الجريمة لا تكون بغياً- أي سياسية- وإنما هي إفساد في الأرض، ومحاربة لله ورسوله، وهي جريمة عادية قررت لها الشريعة عقوبة قاسية" والتأول يعد شرط كذلك: "يشترط في البغاة -أي المجرمين- أن يكونوا متأولين، أي أن يدعوا سبباً لخروجهم، ويدللوا على صحة ادعائهم، ولو كان الدليل في ذاته ضعيفاً..." [32].

إن المسميات الفقهية قد تختلف في حق هؤلاء، فإن لم يكونوا بغاة، فهم مفسدون في الأرض. لأن الإفساد في الأرض قد اتخذ أشكالاً عديدة، منها "العلو والاستكبار بالمال والنفوذ، والتطاول على عامة الناس كدأب آل فرعون الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد. "فالمفسدون يتدثرون بحلاوة اللسان وزخرفة القول بالباطل، ليخدعوا الناس، ويلبِّسوا عليهم بتغيير الحقيقة ونكران الواقع، وادِّعاء الرأفة والرحمة بالخلق"[33]. قال تعالى: ﴿إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر:26]. "وربما عقدوا الأيمان الكاذبة إمعاناً في التلبيس والكذب. ولقد زادت قدرتهم في الخداع، والتلبيس بتعدُّد وسائل الإعلام المعاصرة التي أسهمت في تزييف الواقع وخداع الرأي العام. فحال المفسدين الذين يزينون للناس الباطل ويصدونهم عن سبيل الحق، كمثل قطَّاع الطرق الذين يعترضون سبيل الناس ويسعون في الأرض فساداً". قال تعالى: ﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:86]. والغرض من مساواة هؤلاء بقاطع الطريق هو تطبيق حد الحرابة لأن مآلات أفعالهم أظهرت الفساد في مصر وحرضت عليه بالمال والسلطان. وليس من قبيل الصدفة المحضة أن يصرح المجرمون بإجرامهم مع سبق الإصرار والترصد. فقالوا أن الصحف تعتبر في أيدي حكماء صهيون "آلة عظيمة لحل الحركات الفكرية، والتيارات الذهنية" فمن وظائفها إثارة "النقمة وأسبابها"[34]  و"السيطرة على الصحف وإثارة البلبلة وخلق الفكر المضلل الجنوني الفوضوي وامتلاك معظم الصحف لأنها تمثل "القوي الأولى الموجهة للرأي العام"[35].

 

المبحث الثالث: الإعلام الفني والجرائم المخلة بالآداب

 

المطلب الأول: وقع الصورة المرئية على المتلقي

حتى نفهم وقع ما يقوم به الإعلام من تغيير للأنفس وإهدار للقيم الأخلاقية وتبديل للمرجعيات وطمس للهويات الإسلامية علينا أن نفهم وقع الصورة المرئية على العقول المتلقية للصور الذهنية. إن الصورة هي الانطباع الذي يخلد في الذهن، وهو تصور عقلي نحو شخص أو شيء معين، وهذا الانطباع الذهني يحصر جميع الخبرات عن تلك الأشياء في عبارات محددة وتصور سريع يمر في الذهن، ويأخذ شكلاً تراكمياً[36]. وقد أثبت علم النفس في دراساته لعلم الوظائف العصبية أن الأفلام المرئية تتحكم في الأنشطة الذهنية. وقد أجرى المتخصصون بجامعة نيويورك فحوصات بالرنين المغناطيسي على المخ قبل عرض سينمائي معين وبعده لمناظر مثيرة ذهنياً ثم بعمل مقارنات للنشاط الذهني لعدة مشاهدين لنفس العرض، وجد أن ردود فعل المشاهدين العقلية والعاطفية تكاد تكون كلها واحدة[37]. ولقد أيد ذلك دراسات ميدانية في المجتمع المصري، فأثبت المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن "النظريات العالمية تؤكد ما للتليفزيون من أثر كبير على تكوين اتجاهات وآراء وأفكار أفراد المجتمع، ويُحدِث نوعاً من التراكمات لدى الفرد من خلال المعلومات التي يستقيها من التليفزيون، حيث يكون أحد المصادر العامة لتكوين السلوكيات والمعلومات"[38].

 

المطلب الثاني: تأصيل العنصرية

إذا كان الإعلام الإخباري قد أدى دوره في الانقلاب على شرعية الرئاسة والرئيس المنتخب عن طريق ثورته المضادة، فإنما كان ذلك لأنه يستكمل أهداف الغزو الثقافي الذي خلفه الاستعمار للقطر المصري منذ ثورة 1952. فالعلمنة، ونبذ الدين، وتشويه صورة الإسلام، كل ذلك استخدم أشد الأسلحة فتكاً بالقيم الأخلاقية والمرجعيات الإسلامية؛ فكان له أكبر الأثر في نسج وتركيب ثقافة المجتمع كما كان وسيلة خطيرة لتوصيف تلك الثقافة وتصديرها للمشاهد محلياً ودولياً. وحتى يضمن نجاحه استخدم المرأة سلاحاً لانتشار ثقافة المصالح المادية واكتناز الأموال فصارت الغايات تبرر كل الوسائل التي تأتي بأعلى الأرباح.

إن الخلل الذي يجده المتفحص في صورة المرأة في السينما المصرية يكمن في نظرة صانع السينما لها، فإما هي ضحية ساذجة يغلبها قلبها أو عاطفتها فتقوم بدور المرأة التي انتهك عرضها أو المرأة المخدوعة التي يخونها زوجها أو المرأة اللعوب، الخليعة، عارية الجسم، المتسلطة، الخطاءة برغبتها، المتاجرة بجسدها. كل هذه الأنماط تنسج للمجتمع المصري ثقافته عن المرأة، ماهيتها وكيف تكون وكيف يجب أن تكون، فهي تخلق نموذجاً للمرأة يحفر في تاريخ مصر الثقافي. ولقد أقر المحللون بالصورة المتطرفة التي تعكسها السينما للمرأة المصرية حين قالوا "تسقط مدن الحداثة بين براثن التخلف الصحراوي والمحافظة الريفية، وتحاصر الأنثى عقلياً وروحياً وجسدياً، فباغتيال عقلها يغتال عقل المجتمع بأكمله، وتدميرها يعنى أن المدمر متخلف، وقبولها لتدميره لها قبول للتدمير الذاتي قبل التدمير الذكوري، وإقدام المدمِر والمدمَر على قبول التدمير يعنى دمار المجتمع وخلخلة أبنيته وتصدع ثقافته وتأخره عن ركب العالم المتقدم"[39].

من وجهة نظر حقوق الإنسان، فإن ذلك الإعلام يتسم بالتمييز العنصري الصارخ ضد المرأة المصرية بسبب عدم مواكبة ما يعرض على شاشات التلفزة والفضائيات من قوالب مستوردة أقحمت فيها فاستُبدلت شخصيتها، ومُسخت هويتها، وبُددت إنجازاتها، وأحُبطت طموحاتها، فصارت الشخصية الدرامية للمرأة تشكل انطباعاً سلبياً يؤثر على الرأي العام ويضغط عن طريق تكرار نماذج معينة، ليقنع المشاهد بما يجب أن تكون عليه. فالإعلام المصري المرئي، كالأعمال السينمائية والدرامية والمسرحية أفرز لنا صورة هابطة، تشكل أدنى مستويات السقوط الأخلاقي للمرأة المصرية ولا تعكس رقيها القيمي ولا ثقافتها وشخصيتها الحقيقية ولا قدراتها العلمية ومواهبها ولا كفاحها الطويل في بناء أسس مجتمعها وتشييد أمجاده ليكون لها وضع محترم بين نساء مجتمعها ومن ثم باقي مجتمعات العالم.

إن الإعلام اتخذ أنماطاً منافية للنسيج الثقافي والقيمي والروحي الأصيل للمجتمع المصري والتي بفعل تكرارها أحدثت تراكماً بلغ عند المشاهد حد التصديق بأن المرأة التي نراها في المسلسلات والأفلام والمسرحيات منذ الستينات وحتى يومنا هذا تمثل فعلاً نموذجاَ للمرأة المصرية التي يعرفها المصريون ويشاهدها العالم. لكن المرأة في الواقع الحياتي اليومي المصري لا تمت بصلة لتلك المرأة المنمطة في ثوبها المصطنع، المبتذل. وإن كانت الثورة المصرية في 25 يناير قد جاءت لتفعيل الحقوق والحريات وتحقيقها للمجتمع بكل طوائفه، فالمرأة أول من تطالب بتلك الحقوق وبرفع جميع أنواع التمييز ضدها لتدفع بالإعلام المرئي إلى المستوى المهني المطلوب الذي يصلح من مقامها في بداية عصرها الجديد، ويعيد لها احترامها بين نساء العالم العربي والغربي.

 

المطلب الثالث: تحليل الأنماط

 

أولاً: نمط المرأة المجرمة والبغي

لقد اختار صانعو الأفلام أدواراً للمرأة مشجعة على التحرش، والتعدي وجرائم الاغتصاب، والقتل، والذبح، وابتكروا لها أنواع الجرائم التي تعلم المشاهد العادي المعاصي وارتكاب الجرائم. وحين نرى ذلك يحدث أمامنا في الفيلم السينمائي، لا نستغرب إذن أن يشكل ما يراه عامة الناس دافعاً لسلوك إجرامي في واقع المجتمع المصري. هذا ما أثبته العلم الحديث. إن ما يراه المرء بصورة متكررة، يترسب في عقله الباطن وينقلب إلى سلوك يفجر الطاقات الشهوانية المكبوتة نتيجة الدفع التراكمي الترسيبي للصورة. وبهذا تصبح المرأة المصرية ضحية مرتين، مرة على شاشات الأفلام ومرة ثانية بسبب الأدوار النمطية التي حولتها إلى ضحية مجتمعها. والجدير بالذكر أن النساء اللاتي اخترن تلك الأدوار أو وافقن عليها لم يفكرن في عواقب انتشار الفاحشة بسببها ولا نشر ثقافة الإباحية والانحلال في أرض الكنانة.

يقول المحللون أن المرأة المصرية استحالت إلى شيطان مريد في تلك الأعمال المسماة بال “فنية" إن المرأة هي "الساعية لإغواء الرجل، والعاملة على إغرائه لسلب ماله وشبابه وقوته، وقد كانت الراقصة على الشاشة المصرية هي أبرز صور هذا النموذج الآخر للأنثى في السينما"...فهي المرأة الغانية، اللعوب، البغي، بحكم عملها ليلاً في الكباريهات؛ التي تستغل الليل للذنوب والمعاصي والخطايا. واستكمالاً لهذا الابتذال، جعلوا المرأة ترتدي ملابساً شبه عارية تسهل الإغراء، "وطبيعة مهنتها ذاتها هي التي تقوم على إثارة الغرائز الحسية، فتجذب البطل الرجل الناجح في عمله، مطرباً كان عادة أو مهندساً أو طبيباً أو حتى طالباً بالجامعة للسقوط الأخلاقي، فتسلب منه ماله وشرفه وتفقده حبيبته وعائلته وأرضه ..." [40]. كما يضيف المحللون المتخصصون أنه قد "تكرر هذا النمط في أفلام أخرى مثل "بداية ونهاية" (1961) و"زقاق المدق" (1963) "اللص والكلاب" (1962) وغيرها من الأفلام التي "فجرت قضية المرأة البغي في المجتمع المصري بشكل صريح ومعلن"[41].

ليس هذا فقط، بل إن المرء يكاد يظن أن صانعي تلك الأفلام يروجون للراقصات والبغاء والدعارة في المجتمع ويبجلون من يتخذون تلك السلوكيات الهابطة أخلاقياً وظيفة مرخصة ومعتبرة من قبل سلطات الدولة. فالرقص والبغاء والدعارة بجميع وسائلها كله يُبرَّر على أنه مهنة شريفة اضطر أصحابها إلى اللجوء إليها بسبب الفقر. وقد أيد تلك النظرة الكم الهائل من الأفلام التي تمجد عوالم شارع محمد علي وتجلب لهم تعاطف المشاهد. ولا أدل على ذلك مما جاء في المسرحية الشهيرة "شاهد ما شافش حاجة" والتي قرر فيها بطل المسرحية بسخرية مبالغ فيها أنه لو اضطر ساكن ما تغيير محل سكنه بسبب راقصة، يعني ذلك أن مصر كلها ستضطر إلى تغيير محل سكنها.

 

ثانياً: نمط المرأة السوقية المنتقمة

ويُكمِل هذا المسلسل اللانهائي من التعري والتسلط في العقود الأخيرة نمط آخر مساند له وهو نمط ممتزج بالبطش والقتل والبلطجة والسوقية. فالمرأة هنا "تنتقم من الرجال الذين امتهنوا حياتها وجسدها، وحققت نادية الجندي شهرة كبيرة في العقود الأخيرة باختيارها لصورة المرأة الأفعى المتحولة من الطيبة إلى الشر، ومن الضعف إلى الإطاحة بكل من يقترب منها، بسبب الرجل الطامع في جسدها، والراغب في امتلاكها، فتدمره وأحياناً تدمر نفسها كل هذا في سياق النظرة التجارية للمرأة، بتسويق جسدها كأثمن ما تمتلكه وتعطيل عقلها عن التفكير فيما يفيد الوطن، واستخدام ذكائها فيما يحقق طموحها الفردي، دون أية محاولة من تجار السينما لقراءة الواقع قراءة عميقة"[42].

 

ثالثاً: نمط الانحراف الجنسي وتجارة المخدرات

وإمعاناً في الزهد في المرأة العفيفة، بدأت بعض الأفلام تروج لثقافة الشذوذ الجنسي مثل "السادة الرجال" (1987) "عمارة يعقوبيان" (2006)، و"رسائل البحر" (2010 (وأينما وجد الاتجار بالجسد وجد العنف والمخدرات والخمر والقمار وجرائم القتل. فتداخل في الاتجار بالجسد الاتجار بالمخدرات. لقد جاء الطوفان المدمر من الأفلام التي جعلت المرأة المصرية قاتلة وتاجرة مخدرات وداعرة محترفة. وأصبح الشكل الغالب عليها مهدراً لكرامتها وكل ما تتحلى به المرأة المصرية من قيم. فهي الانتهازية والجشعة والمغرورة الخائنة. وبالتكرار المعهود كُرس ذلك النمط في ذهن المشاهد فنجد هذه الصورة القاتمة ممعنة في تشويه حقيقة المرأة في أفلام عديدة[43].

يضاف إلى تلك الأفلام ما هو أشد شراسة وعنفاً ودفعاً بالمشاهد إلى تعاطي المخدرات والاقتتال من أجلها بمشاهدة تفاصيل الحصول عليها وكيفية تتداولها والثروات التي تأتي من وراء اقتنائها وتبرير أثرها بأنها تُنسي الإنسان المصري همومه وأحزانه[44]. ثم يأتي تفجير المباني والسيارات والحافلات والحرائق وإطلاق النيران جهاراً نهاراً وكأننا في ساحات القتال مع المعتدين على الأوطان لتميت قلوب الشباب وتشجعهم على البلطجة وارتكاب جرائم إهلاك الآمنين وترويع الساكنين وتفزيع الهادئين. وإنه لمن الصادم للعقلية المصرية المتحضرة أن ترى بحار الدم تراق أمام الأعين والنساء يغتصبن تحت الأنوف ولا يستطيع أحد أن يمنعها من مشاهدة عامة الشعب لها وقد اخترقت أخص خصوصيات الأسرة المصرية من خلال الفضائيات الممولة. تلعب المرأة في جميع تلك الأفلام دور المجرم أو الميسر لسبل الإجرام، بمختلف أشكاله، والتستر عليه. كما في فيلم "الكيف" (1985) و"الوحل" (1987( و"النمر والأنثى" (1987) "الباشا تلميذ" (2004) "الجزيرة" (2007) "المساطيل" (2006) "خارج عن القانون" (2007) "الريس عمر حرب" (2008) "الديلر" (2008) "إبراهيم الأبيض" (2009) "السفاح" (2009) "بدل فاقد" (2009) "المصلحة" (2012).

ويقول المحللون أنه في "السينما الشابة" قد تم مسخ صورة المرأة بصورة أكبر وتشويهها حتى لم نعد قادرين على تمييز ملامحها هل هي امرأة عربية أم غربية؟ هل هي متحررة أم منحلة؟ فتداخلت الصور مع بعضها البعض، واقتصر دور المرأة فيها على العشيقة، أو الحبيبة، أو عديمة الهوية تماماً، ولو تجاوزت بعض الأفلام هذه الصورة بعيداً لوجدناها تصور المرأة بصورة بعيدة عن الواقع الحياتي للمرأة العربية والشرقية بشكل عام بما تتميز به من صفات ليست بخفية على أحد"... يقول الناقد السينمائي د. رفيق الصبان أن "المرأة اللعوب والجاسوسة والمتوحشة وغيرها من النماذج المعدودة لن تجد فيها ما يشير إلى المرأة العربية الحقيقية؛ لأنها نماذج مستهلكة ومقدسة من السينما الغربية، وخاصةً السينما الأمريكية والتي تختلف صورة المرأة فيها بحكم اختلاف طبيعة المجتمع الأمريكي عن المجتمع العربي، لذلك فالسينما العربية لم تقترب من واقع المرأة العربية من قريب، واكتفت بأن تطل عليه إطلالة السائح الذي لا يهتم بالتفاصيل وإنما يعرض ما يحبه فقط"[45].

إن هدف هذا التحليل المفصل لما وصلت إليه حالة التردي في الإعلام المرئي هو لإيضاح أنه نتاج التخطيط المنظم للإمبريالية العلمانية بمعاولها الليبرالية وكل الأحزاب المضادة للتيار الإسلامي. ويهدف التحليل إلى كشف جميع الحقائق أمام الفرد المسلم الذي اعتاد أن يحافظ على استقامته وتقواه بغض بصره عن كل ما يخدش الحياء ويتسبب في انحراف الأخلاق. لكن في واقع الأمر، قد تسبب هذا النوع من الأفلام والمسلسلات في انهيار أخلاق شريحة كبيرة من المجتمع الشبابي بكافة طوائفه الغنية المترفة، والفقيرة الضائعة، المغيبة طيلة ثلاثة عقود عن الدعوة إلى الله في منتديات مفتوحة ومحاضرات تخاطب الآلاف من المستمعين والمشاهدين. فالأمانة العلمية تقتضي إظهار المصائب والبلاوي التي تحط على الأمة الإسلامية بتجاهل ذلك الفساد لأنه يخطف ألباب عامة شباب الأمة، خاصة الأميين منهم، ويميت حياء فتياتها، خاصة الساذجات، الجاهلات، الفقيرات منهن، ويتسبب في خيانة الأزواج والزوجات، خاصة ربات البيوت اللاتي يعانين من وقت الفراغ وغياب الأزواج المغتربين من سكنهن.

فانتشار ثقافة الفجور قد أدت إلى انهيار أخلاق طائفة لا يستهان بها من الشباب المسلم كان من المفروض أن يتحمل أعباء الاستخلاف ويحمل رسالة الإسلام إلى الأجيال التي تليه. لكن الشباب المفتقد إلى التوجيه والتربية الإسلامية السليمة تحول إلى عصابات تشن الحرب بالمولوتوف والمفرقعات وتحرق المجمعات والوزارات والمقرات[46]. ولم ينظر المسؤولون أو المتخصصون إلى أصل المشكلة وهي تستشري في جسد الأمة كأنها سرطان خبيث يصعب علاجه بعد فوات الأوان. ولا يجوز تجاهل تلك الكوارث التي أدت إلى انحطاط أخلاق شباب تسبب في تصاعد الفتن والفساد.

 

المبحث الرابع: تغيير الواقع

 

المطلب الأول: ضوابط المصلحة المقاصدية

لقد فصل الشرع الحنيف في إرساء الضوابط لجميع القضايا المعاصرة ومنها وسائل الإعلام وإن كانت تشكل نازلة من النوازل، حتى لا تصبح سبباً في الفوضى التي تودي بالمصلحة العامة للأفراد والمجتمع وتؤصل للفساد. فـلا يحكم على الفعل بالنظرة الحالية دون النظرة المآلية والمستقبلية. لذا حدد العلماء دفع الضرر الذي يعد كذلك إذا خالف الشرع، كما حدد جلب النفع إذ حصل منه الإصلاح والمصلحة الموافقة له. فالمضرة والمنفعة المقصودتين هما ما قصدهما الله عز وجل. فما يراه العامة من أتباع المناهج الوافدة، والمستغربة، والعلمانية، والملحدة إعلاماً فنياً للترفيه والتسلية في المجتمعات الإسلامية أنه "مصلحة" هو ليس في الواقع كذلك، بل هو "أهواء وشهوات زيَّنتها النفس، وألبستها العادات والتقاليد ثوب المصالح"[47]. ولأن "المقاصد مبنية على التصرفات الشرعية فإن افتراض استقلالها أو الدعوة إلى ذلك دعوة لهدمها وطرحها بذهاب ما انبنت عليه واستندت إليه"[48].

فإذا رجعنا إلى التراث نرى أنه قد أسس الفقهاء القدامى لقضية "المصلحة" وما يحققها و"المفسدة" ووجوب درئها وبنوا ذلك على الإطار الشرعي الذي يتضمن الأصول الخمسة أو الضرورات. فقد حدد الغزالي أن المصلحة هي المحافظة على مقصود الشرع وحدد مقصود الشرع بهذه الأصول قائلاً: "أما المصلحة فهي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة ولسنا نعني به ذلك فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة"[49].

إذن، فالمصلحة لا تحدد بالتشهي أو الهوى لهذا اعتبر الإمام الشافعي الاستحسان مرفوضاً في إجازة المصالح المرسلة، وهي التي لم يعتبرها الشارع ولم يلغها، وأجازه فقط إذا بُني على الشرع ولم يعارضه أو يعارض مقاصده دون اعتماد على نص أو إجماع أو قياس. وقال الشافعي قولته المشهورة "من استحسن فقد شرع" قاصداً بذلك تحديد موافقة ما يرى المشرع أنه مصلحة بالشرع ذاته لسد باب المفاسد المبنية على الأهواء. ويرى أن "المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشارع" ليست من المصالح المرسلة[50]. "ومن ثم فإن الاستصلاح المرسل هو استناد إلى القواعد والأجناس الشرعية المعتبرة، وليس عملاً عقلياً مستقلاً ومنفرداً ليس له ضوابط ولا قيود". أما النوازل التي لم تتبين أحكامها، والتي يراد إحالتها على الاستصلاح المرسل فهي بقصد معرفة أحكامها[51].

إن الشريعة الغراء وضعت الأسس التي بها تحقق مصالح العباد وتُحمى وسائل تحقيقها. لهذا أصل علماء أصول الفقه لقواعدهم الفقهية من المصادر الشرعية، القرآن الكريم والسنة المطهرة فاعتبر كل مفسدة مذمومة، لأنها مسببة للآلام والأحزان والأضرار بأنواعها على مستوى الأفراد ثم الجماعات. وقد نهى الله تعالى عن الفساد والإفساد في القرآن الكريم فقال سبحانه: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء:151-152) وقال: ﴿ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ. وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها وَادعوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَتَ اللَّـهِ قَريبٌ مِنَ المُحسِنينَ﴾ [الأعراف:55-56].

ما حذر القرآن من تزييف الحق وانبنائه على هوى النفس التي تزين المفسدة على أنها مصلحة، فإنَّ إضلالَ الناس وتشكيكَهم في دينهم وصرفهم عن الطريق المستقيم هو إفساد في الأرض، فقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة:١١]. وبناءً على تصنيف المفاسد ووصفها ثم منعها أسس الفقهاء قاعدة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". وقالوا إن "هذه القاعدة من جوامع الأحكام، وهي أساس لمنع الفعل الضار عن النفس والغير. وهي توجب رفع الضرر قبل وقوعه وبعده، لأن الوقاية خير من العلاج، فإذا وقع وجبت إزالته وترميم آثاره. فقد شُرِع الجهاد لمقاومة الأعداء ووجبت العقوبة لقمع الإجرام..." [52] وقال النبي ﷺ "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه"[53]. فإذا كان الإعلام وسيلة للتحريض والتخريب وآل إلى مفسدة فلابد من سد جميع الذرائع التي تمكن له ذلك.

كما أن هذه القاعدة "تتفرع عن قاعدة الضرر يزال لأنه إذا غلبت المفسدة المصلحة وجب إزالتها لرفع الضرر الناجم عنها. والضرر إخلال بالمصلحة التي هي "المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم طبق ترتيب معين بينها"[54]. وحتى بفرض تعارض المصالح والمفاسد، فإنه يقدم دفع المفسدة على جلب المصلحة "لأن للمفاسد سرياناً وتوسعاً كالوباء والحريق، فمن الحكمة والحزم القضاء عليها في مهدها"[55]. والمفسدة هي "الإخلال بمصلحة مشروعة للنفس أو الغير تعدياً أو تعسفاً أو إهمالاً"[56] لأنها هي من الضرر والضرر يزال. وحرص الغزالي على التفرقة في تعريف المصلحة بين مقاصد الخلق ومقاصد الشارع وإن خالفت الأولى الثانية[57]. ويخصنا في قضية الإعلام العقل والنفس كأولوية وما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعه مصلحة. ومهما شكل المال من طغيان للتحكم فيما يقال ومآلاته فإن الضابط هو إزالة الضرر الناتج عن الوسائل التي تخالف الشرع فتفسد العقل والنفس وتهدر المال وتدفع إلى هتك العرض وتضيع الدين[58].

 

المطلب الثاني: حفظ العقل والنفس

إن كتاب الله عز وجل قد أوضح لنا كيفية حماية العقل من التضليل والضلال، فحرم كل مسكر ومخدر للعقل، ليكون مجنداً ومنتبهاً وجاهزاً لتلقي التكاليف الثقيلة، فيَسلم الإنسان من الضياع. وعلى المكلف أن يعي المراد من الشرع، ويقصد "من عمله بالتكاليف الشرعية المقاصد التي وجه الله عباده إليها، وارتضاها لهم، فالله سبحانه وتعالى شرع لعباده الأعمال التي تضمّنها دينه"[59]. وقد وهب الله الإنسان العقل والتمييز فيما يقول ويتلقى ويخاطِب به الناس أو ينقله إليهم من أحاديث. وكل كلمة يقولها لها وقع على من يتلقاها: ﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولـئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا﴾ [الإسراء:36].

ومقصد حفظ العقل كان موضع دراسة متعمقة لعلماء مقاصد الشريعة. حيث أن بدون عقل يتلقى المسلم التكليف ومآل إفساد العقل إهدار الدين. ولقد تطور فهم العلماء لمعنى حفظ العقل. فتزكيته بتنميته وترشيده وإعماله. وكم من عقول ضاعت بدون مسكر حقيقي بسبب فقدان الوعي بالدين، عقيدة وشريعة، أخلاقاً وممارسةً. "وعلى هذا فإن إعمال العقل وفسح المجال له، ليس فحسب مساعداً له على تقدير المصالح وحفظها، بل هو نفسه مصلحة من المصالح الضرورية، لأن في إعماله حفظاً له، وحفظه هو أحد الضروريات المتفق عليها"[60]. هذا حفظه من جانب الوجود. ومن جانب العدم، إلى جانب تحريم الخمر على العقل، حرمت جميع المفسدات المعنوية عليه مثل مخالطة المستهزئين أو المتشككين في الدين، أو من يلبسون على العقل الحق بالباطل بهدف إخراج الناس من دينهم، وكذلك حفظه من الفكر الخبيث، المنحرف[61].

في حفظ العقل كذلك تحقيق مهمته في تصنيف الصالح من الطالح من العلم والمعلومات، وفي ذلك تحديد مآلات الأفعال قبل القيام بها[62]. فالمسؤولية تكمن في التلقي والإرسال على السواء. وإن كان في القول مفسدة فلابد من اجتنابه. كما علَمنا القرآن التحقق من الأخبار والتأكد من مصدرها؛ قال تعالى: ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل:27] فالإعلامي مأمور أن لا يقول إلا ما تيقن منه وتأكد أنه سيأتي بخبر صادق يؤول إلى الخير. قال النبي ﷺ «ومن كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أوليصمُتْ»[63].

ولتحقيق مقصد الشريعة في حفظ العقل لابد من درء الثقافات الغازية والمنافية للشرع والتي تؤثر على المرجعيات الفطرية الإلهية وما يعتريها من "فلسفات خارجة عن هدي الوحي، وعن مقاصد الشريعة الغراء. لقد أحدث الإعلام المناهض للإسلام ثورة في الفكر الإسلامي الأصيل[64] ولما اعتمد النسيج الثقافي للدولة المصرية على تمويل القوى الإمبريالية وأفسد عقول الشباب ووضع نموذجاً مزيفاً لتتأسى به النساء استوجب ذلك الواقع المدمر تغييراً جذرياً لأنه يستبدل مرجعيات الأمة الأصيلة بمنظومة الفساد. وفي درء تلك المفاسد تحقيق للمصلحة.

ثم يأتي بعد درء المفسدة وإزالة الضرر طور البناء. فلابد من بناء إعلام جديد على الأسس الأخلاقية القوية في القرآن والسنة، إعلام يتأسى بنموذج الإخلاص كما في قضية التنزيل وحفظ الذكر من التبديل. وكما في نموذج رواية الحديث من عدل وصدق وإخلاص وتدقيق. فالأقوال الثابتة، والمتيقنة هي ثمرة العقل الذي اعتاد حفظ القرآن الكريم، ولها مآلات إيجابية مثمرة حصنها الله تعالى من التبديد؛ قال تعالى: ﴿أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماءِ * تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللَّـهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجتُثَّت مِن فَوقِ الأَرضِ ما لَها مِن قَرارٍ * يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذينَ آمَنوا بِالقَولِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظّالِمينَ وَيَفعَلُ اللَّـهُ ما يَشاءُ﴾ [إبراهيم: 24-27]. إن المؤمن، الذي زرعت في قلبه بذرة التوحيد والإيمان بالنبي ﷺ، هو الذي ينضبط قوله ويؤدي عمله إلى الصلاح فيُرفع إلى السماء ويؤتي ثماره. قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَـئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر:10].

لابد ألا نستهين بالإعلام الفني الذي يمكن أن يحدث ثورة في الأخلاق ويعيد الشعوب المتعلقة بمنتجات التلفزة إلى المرجعيات الإسلامية. وهذا من إعمال العقل وحفظ النفس. فالعقل والفؤاد لا ينفصلان عنها. لقد حفظ الله النفس من جانب الوجود فحرم قتلها أو التحريض على الإضرار بها، كما حرم عليها الفتن والانحراف عن الصراط المستقيم. فإذا صدق المرء في وجود الله، تحول تصديقه إيماناً ينعقد عليه قلبه فيحفظ نفسه من التفلت والانحراف[65]. ولقد ربط النبي ﷺ الخلق بالأقوال وما يحث على العفاف وينهى عن الرذيلة؛ "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج"[66]. وجعل حسن الخلق من الإيمان فقال «إن أكمل أو من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً»[67]. وحث على سد الذرائع المؤدية إلى الانحراف الخلقي والإباحيات، كما في أنماط الفساد في المرئيات، فإذا حفظت النفس مسارها على الصراط المستقيم، وراقبت الله في السر والعلانية، أضاء الله تعالى لها نوراً تمشي به في الناس، فلا تأمر إلا بخير، ولا تنتج إلا خيرا. لهذا، فإن الأعمال الصادرة عن الفنان، والمخرج، والمنتج المسلم للعمل السينمائي المرئي، تُكَرّسْ لما أمر الله به وتنهى لما نهى عنه. ولا تكون وسيلتها ومقصدها "الفن للفن" فقط ، ويطلق عليها "الإبداع" زوراً وبهتاناً[68]، بل تكون في إطار الأخلاق الإسلامية بحيث يعكس العمل الدرامي واقعاً حقيقياً كاملاً للناس لكنه يتخذ الوسائل المباحة شرعاً ليُخرج عملاً متكاملاً يدل على إبداعه. ولابد أن يكون ملماً بصناعة الفن الدرامي المعاصر في الفكر والقصة والحبكة واختيار الشخصيات والحوار. ويستشف من القرآن أحسن القصص. وكلما كان العمل مركباً، تسامت الرسالة التي يقصدها ويُخرجها للناس، وازداد تحقيقه لمهمة الاستخلاف وبلوغ الإصلاح.

فإذا كانت النفس الصانعة للعمل الفني على صراط مستقيم، عليها أن تعيد إنتاج فنها ليعبر عن التجربة الفنية، النقية دون إفساد أو تدليس. إن القيم والضوابط الأخلاقية في الأعمال الفنية الإصلاحية تحفظ الإيمان وتعين الإنسان على استكمال مهمته الأساسية لإعمار الأرض ورفعة الدين. لهذا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأعمال تؤصل للقيم الأخلاقية هي من أقوى الوسائل التي تحدث تغييراً في واقع الأمة. "كما جعلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية ليظل هناك مدافعون عن القيم الأساسية للمجتمع"[69].

ولا ترى الشريعة فصل الدين عن الأخلاق وعن نظام المجتمع، واعتباره أمراً يخص الفرد ولا دخل للمجتمع فيه كما ترى النظم العلمانية. ولقد حرص الإسلام على إبراز القيم الأخلاقية الملاصقة للنفس وسلوكياتها للحفاظ على الإنسان من الانزلاق إلى الفساد درءاً لعواقبه الوخيمة التي إذا ما انتشرت وتصاعدت في المجتمع أدت إلى تغيير نسيجه بتبديل مبادئه الراسخة وأساسيته القيمية، كما رأينا في الإعلام الإخباري والمرئي، مما يؤدي إلى طمس هويته وتبديل مرجعياته. ويجدر القول إنه كما وصف الإسلام النفس وأدواءها ومواطن ضعفها، منحنا أيضاً الدواء الشافي لأمراضها. لأن "من صور تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان أيضاً أن جعل جسد الإنسان يتعلق بحق الله وحق العبد، وحقيقةً، فإن حق الله تعالى في جسد الإنسان هو ما للجماعة من مصالح ومنافع في هذا الجسد، أي تعود عليها من خلاله، إذ من المعلوم أنه ما من مصلحة تتحقق للجماعة إلا بواسطة أنفس أفرادها، بأرواحهم وأدمغتهم، وأعينهم، وقلوبهم وأيديهم وأرجلهم. وكل عضو من أعضاء كل فرد من أفراد الجماعة يسهم بأقدار متفاوتة في تحقيق مصالح الجماعة وحمايتها"[70].

 

المطلب الثالث: سبل الإصلاح بالسلطان

إن حمل الإعلام والقائمون عليه في الدول الإسلامية أمانة التبليغ والتزموا بالمنظومة الأخلاقية والأطر الشرعية له فعليهم مسؤولية التمكين للدين الإسلامي وإعلاء علومه، واستثمار توجيهاته الربانية التربوية في استنقاذ شباب الأمة حتى يُبَلِغوا الرسالة ويؤدوا الأمانة ويقودوا العالم كما قاده معلم البشرية وهاديها البشير، النذير، السراج المنير، محمد ﷺ، الصادق الوعد الأمين. وإن بناء إعلام جديد لابد أن يكون في إطار المناخ العام للدستور المصري وهو المناخ الديني العقدي. والمناخ الدلالي هو تعاليم الإسلام؛ "عن عثمانَ رضِيَ اللهُ عنه قال: إنَّ اللهَ يزعُ بالسلطانِ ما لا يزعُ  بالقرآنِ"[71]. ولابد للإعلام الجديد من المحافظة على الحقوق والحريات المقررة في الدستور مع وضع الضوابط اللازمة لها بحيث تتوازن حقوق المواطنين وواجباتهم فلا يطغى حق التعبير، وحرية الصحافة على كرامة المشاهد وسمعته وهويته. وعلى الإعلام الجديد الارتقاء بالمعايير الأخلاقية وربط حرية الفكر بالمعتقد. كذلك، لابد من وضع حد فاصل بين حق التوصل إلى المعلومة لحفظ الشفافية وبين المصلحة العامة وأمن الوطن وحق المواطنة والأمن القومي. ولابد من تكوين مجلس للصحافة، يشرف على المهنية والاحتراف ويتابع الرقي الإعلامي ويستقبل شكاوى المواطنين.

كذلك لابد لوزير الثقافة من تفعيل الرقابة على الأفلام برفع الصورة العنصرية المسيئة للمرأة والتي تكرس للنمط الدوني، الجسدي، الغرائزي لها في الأعمال السينمائية وعلى الإعلانات التجارية التي تستغل جسد المرأة لترويج السلع التي تنبني على جاذبية الجسد، وعلى الأفلام برفع جميع المناظر واللقطات المخلة للآداب والتي تمس الشرف والعرض وتروج لنشر الفواحش والعلاقات الحميمية والمعاشرات الجنسية واغتصاب المرأة أمام المشاهد، وعلى الأفلام والإنترنت لمنع ترويج ثقافة الشذوذ الجنسي التي تؤثر على الشباب وكل ما يشبع غرائز الرجال ويروج للزهد في المرأة الشريفة من أجل الزواج. كذلك منع أفلام العنف التي تشجع على التحرش بالمرأة أو اغتصابها أو ضربها داخل المحيط الأسري أو خارجه، والأفلام التي تؤصل للعنف بأنواعه في المجتمع وتستخدم السلاح بشكل جماعي ومفرط لأعمال التفجير والهدم والحرائق. ولابد من عمل برامج منظمة، ودائمة لتثقيف الشباب عن القيمة الأخلاقية والتنموية للأسرة الشرعية ومساهمتها في استقرار المجتمع. وعمل برامج تثقيفية للشباب عن معاني العلاقات الزوجية المبنية على المودة والرحمة حفاظاً على الأسرة المصرية وفوائد الزواج الشرعي[72] مقابل الزواج العرفي و المسؤوليات المتوقعة عند الزواج والثواب الشرعي لها. وعمل برامج عن معنى الأمومة وفوائدها وثوابها، وبرامج تساند "وحدة الأسرة" بأفرادها جميعاً. ونشر برامج التربية الأخلاقية وتعليم الأمهات كيف تزرع بذرة الإيمان في الطفل وكيف يتم تعليقه بالله والإجابة عن أسئلته عن خلقه وخالقه ورزقه وفضائل الآداب ونشر برامج حب الأطفال والطفولة والتي تعلم الطفل تدريجياً الصوم والصلاة وفوائد العبادات.

 

* الدكتورة رشا عمر الدسوقي أستاذ الفقه المعاصر بجامعة الأزهر. قدمت هذه الورقة في ندوة "الأخلاق الإسلامية والإعلام" التي عقدها مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بالدوحة أيام 2-4 نوفمبر 2013.

 

سلسلة الندروات التخصصية: الإعلام والأخلاق: شهادات المشاركين ١١/٢٠١٣

 

 

الهوامش

 

[1] عطية، جمال الدين. تفعيل مقاصد الشريعة. دمشق: دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، 1424ه/2003م، ص 113. لاحقاً باسم الكتاب.

 

[2] آبادي، الفيروز. "باب الميم فصل العين". القاموس المحيط. بيروت: دار الفكر، 1415ه/1995م، ص 1028. لاحقاً باسم الكتاب.

[3] قلعجي، محمد رواس. معجم لغة الفقهاء. بيروت: دار النفائس، 1416ه/1996م، ص289.

[4] "باب الصاد فصل القاف". القاموس المحيط، ص 563.

[5] الراوي: عبد الله بن مسعود. المحدث :أحمد شاكر – المصدرمسند أحمد - الصفحة أو الرقم : 6/78خلاصة حكم المحدث :إسناده صحيح.

[6] الراوي: أنس بن مالك. المحدث:الألباني المصدر: السلسلة الصحيحة الصفحة أو الرقم:2841.

[7] الراوي: أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس. المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد- الصفحة أو الرقم: 7/97.

[8] الراوي: أبو هريرة. المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6478. خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[9] الراوي: معاذ بن جبل. المحدث: ابن القيم - المصدر: أعلام الموقعين - الصفحة أو الرقم: 4/259. خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[10] عبد الهادي، عبد المهدي. علم الجرح والتعديل: قواعده وأئمته. القاهرة: جامعة الأزهر، 1419ه/1998م. والحديث ضعيف.

[11] الراوي والمحدث: الزرقاني المصدر: مختصر المقاصد الصفحة أو الرقم: .749 خلاصة حكم المحدث:  صحيح.

[12] الحسين، وليد. مآلات الأفعال عند الأصوليين وأثرها الفقهي. رسالة ماجستير. السعودية: قسم أصول الفقه، 1426ه، ص 2.

[13] المرجع السابق. ص 3.

[14] قال النبي ﷺ: «ألا كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه؛ فالأميرُ الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ راعٍ على أهل بيتِه، وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه، وعبدُ الرجلِ وفي طريقٍ: والخادمُ راعٍ على مالِ سيِّدِه، وهو مسؤولٌ عنه، والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها، وهي مسؤولةٌ، سمعتُ هؤلاءِ عن النبيِّ وأحسب النبيَّ قال: والرجلُ في مالِ أبيه، ألا كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعِيَّتِه». الراوي: عبد الله بن عمر. المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الأدب المفرد الصفحة أو الرقم: 151. خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[15] الفاسي، علال. مقاصد الشريعة الإسلامية. الطبعة الخامسة. الرباط: مؤسسة علال الفاسي، 1993م، ص 45.

[16] عاشور، محمد. مقاصد الشريعة الإسلامية. تحقيق ومراجعة محمد الحبيب ابن خوجة. قطر: وزارة الأوقاف 1425ه/2004م. ج3، ص 194.  يذكر لاحقاً باسم الكاتب.

[17] الريسوني، أحمد. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي. الطبعة الرابعة. الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1416ه-1995م، ص 19. لاحقاً باسم الكاتب.

[18]Hafez, Mohammaed. Ownership, funding, and editorial policy in private media. Conference on television and radio outlets in Egypt after the revolution. 28-29 March, 2012, p. 9. Available at: radiovotvconf.com/Mohamed-naser.html.

[20] Foreign Funding: Fride a European think tank for global action. www.fride.org/download/WP_EGYPT.pdf 

[21]انظر: الميثاق الرسمي الصادر عن جمهورية مصر العربية: http://www.slideshare.net/dia2_noor/ss-7724699

[22] عيسى، محمود. "الإعلام يواصل قيادة الثورة المضادة". الوطن، 3 مايو 2013م. http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?n=

[23] كان الإعلام دائم التغطية لجبهة الإنقاذ المخربة للثورة والمحبطة لإنجازاتها. تلك الجبهة التي كانت تتوهج عند كل صغيرة وكبيرة أمام الكاميرات ليضخمها الإعلام المساند. وكان مستغرباً أنه انحاز لأعضاء الجبهة وصورهم لعامة الناس كمعارضين شرفاء لهم حق التعبير عن رأيهم بحرية ولو بلغ ذلك حد السب والقذف. فانتشرت الدعاوى القضائية ضد هذه السلوكيات وأمثالها. وكان الإعلام انتقائياً، دائم التغطية للسلبيات، معتماً على الإنجازات ومؤيداً للمعارضات. فاضطر الشرفاء إلى تكوين "جبهة الضمير" ليوازن أمام الناس السلبيات بالإيجابيات.

[24] للمزيد من التفصيل حول دور الإعلام الصهيوني في تشويه صورة الإسلام عبر قرنين من الزمان انظر: الدسوقي، رشا. الأسلوب القصصي الصهيوني، ودوره في التأثير على المثقفين في الغرب. مجلة المجتمع، الكويت: شركة الخليج، 1996م، العدد 1202.

[25] بلغت الأمية 30% حسب إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لحصر الأمية، منشور 6 فبراير 2013م.

 [26] جند الموساد جاسوس يسرب الأخبار للكيان الصهيوني وبعد القبض عليه اعترف أنه تم تجنيده منذ 2011م. قتاة مصر25، 15/6،2013.

[27] ياسين، محمد. الإيمان: أركانه، حقيقته، ونواقضه. الأردن: جامعة الأردن. د.ت، ص 234-256.

[28] منير، محمد. البرمجة القرآنية للعقل المسلم. سوريا: دار الثقافة للجميع، 1429ه/2008م، ص 288.

[29] المرجع السابق.

[30]  انظر أصل المقال كاملاً: الدسوقي، رشا. "خيانة الأمانة وعرقلة مسيرة النهضة". بوابة الحرية والعدالة، 18/12/2012م.

http://fj-p.com/article.php?id=35543#.Ua3TjUAzi_c

[31] انظر: مقال الإعلامي الكبير أحمد منصور، "السب والقذف.. والأمن القومي". الشروق، الإثنين 6 مايو 2013م. http://www.islammemo.cc/Tahkikat/2013/05/06/171736.html

[32] عودة، عبد القادر. التشريع الجنائي الإسلامي. القاهرة: مكتبة دار التراث، 1424ه/2002م. ج1، ص 90-91. للمزيد ج 2، ص 596-599. وانظر أيضاً: حمودة، منتصر. الجريمة السياسية. الإسكندرية: دار الفكر الجامعي،2008م، ص 142-158.

[33] "ولا تعثوا في الأرض مفسدين". البيان. قلم التحرير، 19/6/2013م، العدد 2615. http://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=1043

[34] ماسدون، فيكتور. بروتوكولات حكماء صهيون. القاهرة: الحرية للنشر والتوزيع، 2003م، ص 155.

[35] المرجع السابق. ص 185-186.

[36] “Mental Imagery”. Stanford Encyclopedia of Philosophy, First published, Tue Nov 18, 1997, substantive revision, Fri Apr 2, 2010 http://plato.stanford.edu/entries/mental-imagery/

[37] “Film Content, Editing, And Directing Style Affect Brain Activity, Neuroscientists Show”. Science Daily, retrieved: May 31, 2013. http://www.sciencedaily.com/releases/2008/06/080606105432.htm

[38] البربري، حسين. المصريون. "المسلسلات التليفزيونية ساهمت في رفع معدلات الطلاق وانتشار الزواج العرفي في مصر". أهل القرآن، 17/1/2010م، www.ahl-alquran.com/arabic/show_news.php?main_id=8414

 [39] عطية، حسن. "المرأة في السينما المصرية..قديسة وشيطان على الشاشة الفضية!". أكاديمية الفنون، 3 يناير 2013م، http://egyptartsacademy.kenanaonline.com/posts/491879. يذكر لاحقاً باسم الكاتب.

[40] المرجع السابق. إن المشاهد ليظن أن المرأة المصرية تتجسد في "الراقصة" حيث كرس هذا النموذج مجموعة كبيرة من الراقصات توارثوا الأدوار بتسلسل متعمد من أول "تحية كاريوكا" حتى راقصات اليوم، والغريب أنهن يرضين بأن يظهرن مغويات، ويقبلن أن تظهر الراقصة كمثال صارخ لنموذج المرأة الشيطان، حتى وهن لا يجسدن دور الراقصة، فتحية كاريوكا قدمت أبرز نموذج للمرأة الشيطان المغوية في شخصية "شفاعات" في فيلم "صلاح أبو سيف" الشهير "شباب امرأة"  1956، هذه المرأة التى تستولي على جسد الفتى الريفي، وتغريه بالمال والجنس حتى يسقط وتسحبه خلفها كحيوان مساق للذبح بعد هذا الفيلم بعامين فقط. حققت المطربة هدى سلطان تجليات هذه الصورة المغوية للمرأة الشيطان في فيلم "امرأة في الطريق" 1958م للمخرج عز الدين ذو الفقار، مجسدة لشخصية الغانية التى زوجها رجل مسن لابنه الصغير المدلل والخائب بسبب تدليله هذا، بينما تعشق هي جسد الابن الأكبر القوي المفتول، فتسعى بكل طرق الإغراء للإيقاع به، فتدمر الأسرة بأكملها.

[41] إن هذه الأعمال التي مجدها الإعلام المصري للكاتب الراحل نجيب محفوظ تمثل قمة الابتذال والانحطاط للمرأة المصرية. انظر:  "صورة المرأة في السينما المصرية،"موقع الاشتراكيون الثوريون، الأحد 15 مارس 2009م. http://revsoc.me/arts-and-literature/swr-lmr-fy-lsynm-lmsry

[42] د. حسن عطية. يضاف إلى الأعمال السابقة المكملة لمنظومة التهتك، أفلام أخرى مثل "بمبة كشر" (1928) "الفاتنة والصعلوك" (1970) "الشيطان امرأة" (1971) "شيء في صدري" (1971) "الأنثى والذئاب" (1975) "عندما يسقط الجسد" (1977) و "مدام شلاطة" (1986) و"الراقصة والسياسي" (1990) و"اشتباه" (1991) و"إنذار بالطاعة" )1993 (و"كلام الليل" (1999) وعلى منوالهم العديد الذي لا حصر له.

[43] انظر رسالة الماجستير للسيدة إحسان سعيد عبد المجيد المعيدة بجامعة عين شمس بعنوان صور المرأة المصرية في السينما في فترة التسعينات. ويراجع مقال محمد القليوبي المخرج والباحث السنمائي، سينما السبعينات.. الموجة الأكثر هبوطاً في تاريخ السينما المصرية. http://www.masress.com/alkahera/2643. هذه الأفلام العديدة منها: "جبروت امرأة" (1984) و"القاتلة" (1990) و" جبر الخواطر" (1991) و"ليلة القتل" (1996) "والمرأة والساطور" (1997) و" امرأة وخمس رجال" (1997) و"عتبة الستات" (1995).

 [44] تقرير وزارة الصحة: نسبة الإدمان في القاهرة 33 % وينفق على تعاطي المخدرات 30 مليار سنوياً. http://www.almesryoon.com/permalink/36212.html

[45] "المرأة في السينما المصرية.. صورة بعـيدة عن الواقع". أخبار الخليج. القاهرة: وكالة الصحافة العربية، 22 نوفمبر، 2012م. http://www.akhbar-alkhaleej.com/12657/article_touch/60450.html

[46] سجل الإعلام تحريضه لأعمال تخريب وحرق المنشآت وسمى المشاغبين ثواراً. وكل وقائع التخريب المسجلة أعيد بثها مراراً وتكراراً لإعطاء الانطباع بانهيار الدولة.

[47] القرضاوي، يوسف. دراسة في فقه مقاصد الشريعة. بيروت: دار الشروق، 2007م. يذكر لاحقاً بعنوان الكتاب 2. وانظر: "المصلحة المرسلة وشروط العمل بها" http://www.qaradawi.net/fatawaahkam/30/1470-2009-12-31-19-57-48.html لاحقاً بالعنوان. وانظر: الخادمي، نور الدين. الاجتهاد المقاصدي: حجيته، ضوابطه. المملكة العربية السعودية: الرشد ناشرون 1426ه/2005م، ص 104. يذكر لاحقاً باسم الخادمي.

[48] الخادمي. ص 104.

[49] الغزالي، محمد. المستصفى في علم الأصول. بيروت: دار الكتب العلمية، 1423ه، ص 198.

[50] المرجع السابق. ص 58.

[51] الخادمي. ص 113. ويشرح الخادمي مقاصد الشريعة في رفع الحرج قائلاً: إنه قد عبر الفقهاء والأصوليون عن المقاصد بالحكم في مصالح العباد "أو الغرض أو محاسن الشريعة وأسرارها والضروريات والحاجيات والتحسينيات والمصالح والمفاسد ونفي الضرر والمشقة ودفع الأذى والعنت والشدة والتنطع، وجلب المنافع والتيسير والتخفيف، والرحمة والسماحة، والرفق واللين ..." ص 96.

[52] شبير، محمد. القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية. الأردن: دار النفائس 1426ه/2007م، ص 165. لاحقاً القواعد الكلية.

[53] كامل الحديث: «كل المسلم على المسلم حرام، ماله، وعرضه، ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم». الراوي: أبو هريرة. المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير الصفحة أو الرقم: 6277. خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[54] البوطي، محمد. ضوابط المصلحة. دمشق: مؤسسة الرسالة، 1973م، ص 23.

[55] القواعد الكلية.

[56] موافي، أحمد. الضرر في الفقه الإسلامي. السعودية: دار ابن عفان، 1997م، ص 97.

[57] المرجع السابق. وانظر أيضاً: زيد، مصطفى. المصلحة في التشريع الإسلامي. ج. م. ع.: دار اليسر للطباعة والنشر، 2006م. تحقيق محمد يسري ابراهيم، ص 29-78.

[58] تفاوت ترتيب هذه الأصول باعتبارها مقاصد ووسائل في ذات الوقت عند المقاصديين والمقصد الأعلى هو حفظ الدين.

[59] الأشقر، عمر. مقاصد المكلفين فيما يتعب به لرب العالمين. الكويت: مكتبة الفلاح، 1981م، ص 487.

[60] نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص 229-240.          

[61]  حبيب، محمد. مقاصد الشريعة، تأصيلاً وتفعيلاً. جامعة أم القرى: إدارة الدعوة والتعليم،1427ه، العدد 213، ص 323.

[62] قال قتادة: لا تقل رأيت ولم تره، وسمعت ولم تسمعه، وعلمت ولم تعلم. قال البغوي في التفسير: لا تتكلم بالحدس والظن. قد يسمع الإنسان في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع سيكون فيه بعض تحديثه كذب. انظر: ابن كثير. تفسير القرآن العظيم. بيروت: الريان 2007م) ج 3، ص 1364.

[63]  الراوي: أبو هريرة. المحدث: البخاري – المصدر  صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6018. خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[64]  بكار، عبد الكريم. تجديد الوعي. دمشق: دار القلم، 1426ه /2005م، ص 28-29.

[65]  انظر: الدسوقي، رشا. الصحة الإنجابية في ميزان المقاصد الشرعية. القاهرة: المسلم المعاصر، 2012م، العدد 144.

[66]  الراوي: أبو هريرة. المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 3/352. خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.

[67] الراوي: عائشة وأبو هريرة. المحدث: الألباني - المصدر: الإيمان لأبي عبيد - الصفحة أو الرقم: 28.

[68] لقد تأثر العالم الأدبي والسينمائي المصري بنظرية الفن للفن art for art’s sake  وهي نظرية غربية أسس لها الأدباء الغربيون الحداثيون والوجوديون والانطباعيون impressionists  and modernists, existentialists وروجها كتاب المدرسة التعبيرية expressionism وهؤلاء جميعاً مغايرون للمدرسة الواقعية، حيث أن المؤلف لا يعكس واقعاً قائماً للمجتمع من حوله بل يعكس انطباعه الشخصي عن ذلك الواقع. يقول الناقد الأدبي الفني الكبير رينيه ويليك "أن مبدأ الفن للفن يظهر حين يشعر الفنانون أن هناك تناقضاً كبيراً بين أهدافهم وأهداف المجتمع الذي يعيشون فيه. لابد للفنانين أن يكونوا شديدي الكراهية لمجتمعاتهم وأن يروا أنه لا أمل في تغييرها". أنظر أصل النص في:

Wellek, Rene and Warren, Austin.The Theory of Literature. U.S.A: Penguin, 1970. p. 101.

[69]  تفعيل مقاصد الشريعة. ص 159.

[70] ياسين، محمد. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة. الطبعة الأولى. الأردن: دار النفائس، 1416ه-1996م، ص 145.

[71] الراوي: المحدث: ابن باز – المصدر: مجموع فتاوى ابن باز الصفحة أو الرقم: 134/1. خلاصة حكم المحدث: مشهور.

[72]  بلغت معدلات الطلاق 45%، والعنوسة 30%، والزواج العرفي في الجامعات بلغ 400,000 حالة سنوياً، واللقطاء وأطفال الشوارع حوالي مليون. انظر: المركز القومي للبحوث الاجتماعية، 9/8/2009م، http://www.nmisr.com/vb/showthread.php?t=33327.

أضف تعليقاتك

Your email address will not be published*

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

إدارة اشتراكاتك في الرسائل الإخبارية
اختر نشرة أو أكثر ترغب في الاشتراك فيها، أو في إلغاء اشتراكك فيها.
حتى تصلكم رسائل بآخر فعالياتنا وبمستجدات المركز

عنوان البريد الإلكتروني للمشترك

Copyright © 2011-2024 جميع الحقوق محفوظة مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق