النقاش الفقهي والأخلاقي حول زراعة كُلْيَة خنزير في جسم إنسان: العلاقة بين الممارسة العلمية والقِيم الحاكمة في المجتمع

د. محمد غالي
16 الثلاثاء 2021

د. محمد غالي

أستاذ الأخلاق الطبية والحيوية في الإسلام

مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق

كلية الدراسات الإسلامية

جامعة حمد بن خليفة، قطر

 

الْحَدَث العِلْمي

انشغلت كثير من الأوساط العلمية والإعلامية خلال الفترة الماضية بخبر نجاح تجربة زراعة كلية خنزير في جسم إنسان، أُجريت في جامعة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد تصدّر هذا الحدث منصات إعلامية مهمة مثل الـBBC ووكالة أنباء رويترز وصحيفة الـ New York Times الأمريكية وصحيفة الـGuardianالبريطانية وغيرها الكثير.

وهناك سوابق تاريخية لمحاولات زراعة أعضاء حيوانية في أجساد بشرية (xenotransplantation)، منها حيوان الشمبانزي في ستينيات القرن العشرين وحيوان الرُبَّاح (baboon) في تسعينيات القرن العشرين. لكن هذه التجارب عموماً لم تكن ناجحة بالشكل الكافي، حيث كان يتم رفض العضو الحيواني المزروع باعتباره جسماً غريباً وهدفاً مشروعاً لجهاز المناعة البشري الذي يهاجمه ويحاول طرده من جسد الإنسان وينتهي الأمر غالباً بالوفاة.

الجديد في هذه التجربة هو استخدام تقنية ما يعرف بـ"التحرير الجيني (gene-editing)" قبل القيام باستئصال العضو من الخنزير. ذلك أن كلية الخنزير كان قد تم تعديلها وراثياً بإزالة الجين المسؤول عن جزيء السكر (sugar molecule) الذي يتواجد بشكل طبيعي على سطح خلايا الخنزير إلا أنه غير موجود في تركيبة الجسم البشري، وبالتالي يتعامل جهاز المناعة مع هذا الجزيء على أنه وافد غريب يجب مهاجمته. ونظراً لجِدَّة هذه التجربة وما قد تنطوي عليه من مخاطر على حياة الإنسان، فقد تم زرع هذه الكلية المعدلة وراثياً في امرأة ميتة دماغيًا بها قصور في وظائف الكلى، حيث قام الأطباء بتوصيل كلية الخنزير بالأوعية الدموية للمرأة وقد عملت الكلية بشكل جيد على مدار أكثر من يومين وقامت بإنتاج البول.

ونجاح الأطباء والعلماء مستقبلاً في تحويل زراعة الأعضاء الحيوانية في أجسام البشر إلى عملية روتينية ذات نسب نجاح عالية على غرار زراعة الأعضاء البشرية سوف يعني الكثير بالنسبة لمستقبل جراحة زراعة الأعضاء والقدرة على إنقاذ حياة كثير من المرضى الذين يفارقون الحياة وهم بانتظار الحصول على عضو بشري. ففي بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمت هذه التجربة، يموت حوالي 12 شخصاً يومياً وهم في انتظار الحصول على كلية مناسبة ويبلغ متوسط ​​فترة الانتظار ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.

 

سؤال الأخلاق

وتتشابك هذه الآمال الواعدة والمصالح المرجوة مع مخاوف ومحاذير أخلاقية لابد من النظر فيها كذلك قبل الوصول إلى حكم أخلاقي بشأن الاستمرار في هذا النوع من التجارب. وحتى يكون الحكم على هذه التجربة مؤسساً على تصورات صحيحة، فينبغي الوعي بتشعب الجوانب الأخلاقية لهذه التجربة وعدم اختزالها في مجرد البحث عن حِلِّ أو حرمة نقل عضو من حيوان الخنزير إلى جسد الإنسان. وسنحاول في هذه الدراسة الموجزة أن نكثف الحديث عن بعض الجوانب المهمة، تاركين التفاصيل لدراسة علمية تنشر قريباً بحول الله تعالى.

 

(1) زراعة الأعضاء المأخوذة من الحيوان

لي اهتمام قديم بهذا الموضوع، باعتباره أحد "كلاسيكيات" مجال الأخلاق الطبية والحيوية في الإسلام، وهو المجال الرئيس لاهتماماتي البحثية في حقل الأخلاق الإسلامية. وقد نشرت عدداً من المقالات، فهناك مقال منشور في عام 2012 يتحدث عن المسلمين في أوروبا، وقد نُشر ضمن قسم خاص عن أخلاقيات زراعة الأعضاء وقد أشرفت على تحريره لمجلة متخصصة في الطب والرعاية الصحية والفلسفة، وهناك مقال آخر نشرته في نفس العام عن النقاشات المتعلقة بالمسلمين في هولنداتحديداً. ولا يسمح المقام هنا بالخوض في تفاصيل هذه النقاشات إلا بالقدر الذي يناسب الموضوع محل البحث هنا، وهو زرع الأعضاء المأخوذة من حيوان.

يمكن القول بأن زراعة الأعضاء المأخوذة من حيوان، من حيث المبدأ، أقرب إلى الإباحة من زراعة الأعضاء البشرية. فبعض الشروط التي وضعها الفقهاء الذين أباحوا زراعة الأعضاء البشرية لن تكون مطلوبة إذا أخذنا الأعضاء من حيوان، ومن ذلك ألا يؤدي هذا النوع من التداوي إلى التضحية بحياة إنسان أو انتهاك كرامته وحرمة جسده أو أن تكون أعضاء الجسد محلاً للبيع والشراء ... الخ. بل إن بعض مَن قال بعدم جواز زراعة الأعضاء البشرية قد أباح زراعة الأعضاء المأخوذة من الحيوان. ومِن هؤلاء العالم الباكستاني الشهير محمد شفيع العثماني (ت. 1984)، وله مؤلف منشور في هذا الموضوع كتبه في ستينيات القرن العشرين ودافع فيه عن عدم جواز زراعة الأعضاء المنقولة من البشر، وقال بأن الأعضاء المأخوذة من الحيوانات تمثل بديلاً مشروعاً وطالب الباحثين والعلماء بالتركيز على هذا المجال في بحوثهم وتجاربهم.

 

(2) خصوصية الخنزير

الكلام السابق عن أن الحصول على أعضاء حيوانية لزراعتها في جسم الإنسان أقرب إلى الجواز والمشروعية من الأعضاء البشرية ليس على إطلاقه. فهناك فروق مهمة بين حيوان وآخر، ليس على المستوى التشريحي أو التركيبة الجينية، ولكنها تتعلق بجوانب أخرى لها أثر في بعض الأحكام الشرعية ذات الصلة بالمسألة التي نناقشها هنا. وللخنزير، بطل القصة في هذا الحدث العلمي، أحكام فقهية خاصة ينبغي مراعاتها. وسنتعرض هنا لنقطتين لهما صلة وثيقة بالمسألة محل النقاش:

  • (أ) نجاسة الخنزير

يقول جمهور الفقهاء، خلافاً للمالكية، بنجاسة عين الخنزير وهناك اتفاق على حرمة تناول لحمه وشحمه وجلده في حال الاختيار، بل نص بعضهم على تقديم الكلب على الخنزير وتقديم ميتة غير الخنزير على الخنزير عند الاجتماع في حال الاضطرار. ولذلك أفتى العلماء قديماً بعدم جواز استخدام عظمه لجَبْر عظم الآدمي إذا انكسر إلا عند فقد البديل الطاهر. كما ذهب عامة الفقهاء المعاصرين إلى مشروعية الانتفاع بأجزاء من الخنزير لأغراض التداوي بشرط تحقق الضرورة التي تقتضي عدم وجود البديل المناسب المأخوذ من حيوان طاهر بالإضافة إلى ثبوت المنفعة وعدم الضرر من استخدام الخنزير كدواء، أو بتعبير الفقهاء "إذا عُلم أن فيه شفاء ولم يُعلم دواء آخر". وزاد بعضهم أن يكون ثبوت المنفعة على وجه اليقين مثل يقين دفع الجوع بالأكل والعطش بالشرب أو على وجه يقرب من اليقين بينما اكتفى البعض بوجود غلبة الظن. وبالتالي، فزراعة كلية خنزير في جسم الإنسان دون تحقق هذه الضرورة سيفضي إلى وجود عضو نجس في بدن الإنسان على سبيل الديمومة. ووفق قول بعض الفقهاء القدامى، مثل الإمام النووي، سيصبح الشخص آثماً وسيجب عليه نزع العضو المزروع إن لم يخف منه تلف نفسه ولا تلف عضوه.

  • (ب) بيع الخنزير وشراؤه

يتفق الفقهاء على أن الخنزير بالنسبة للمسلمين لا يُعَد مالاً متقوماً وبالتالي لا يصح بيعه أو شرائه، لأنه افتقد شرطاً من شروط المال المتقوم وهو جواز الانتفاع به شرعاً في حال السعة والاختيار. فالخنزير لا يجوز تناوله إلا في حال الضرورة وبقدر ما يدفع الهلاك عن النفس. وقد نقل ابن رشد اتفاق الفقهاء على حرمة بيع الخنزير بجميع أجزائه التي تقبل الحياة، ومعتمدهم حَدِيثُ جَابِرٍ -رضي الله عنه- فِي الصَّحِيحَيْنِ أن رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ". وإن وجدت بعض المنافع المادية والربحية في بيع وشراء الخنزير فهي محرمة شرعاً، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً.

لكن يمكن القول بإباحة دفع تعويض مادي مقابل الحصول على كلية خنزير لزراعتها في بدن الآدمي إذا تحققت شروط الضرورة التي تحدثنا عنها سابقاً، وفق اعتبارات ومسالك مختلفة. فمن الفقهاء من أباح بيع وشراء النجاسات التي تدعو الضرورة إلى استعمالها، مثل الزِّبلِ والعَذرَةِ. ومنهم من قال بجواز بيع الكلاب التي جاز اتخاذها لمنفعة مباحة مثل كلب الماشية والزرع. هذا بالإضافة إلى أن المقابل المدفوع للحصول على كُلْيَة الخنزير لزراعتها سيكون لتمويل عملية التداوي المعقدة، والتي تتضمن في المقام الأول تعديل الخنزير جينياً لضمان نجاح عملية الزرع بالإضافة إلى استئصال الكلية جراحياً وإجراء الاختبارات اللازمة للاطمئنان على نجاح عملية الزرع ومن ثم زراعة العضو في جسم الإنسان ومتابعة حالته الصحية بعد الزراعة .... الخ. في مثل هذا السياق، يتضح أن كلية الخنزير وحدها، بعيداً عن كل هذه الإجراءات الطبية، لن تكون "مالاً متقوماً" ولن يرغب أحد من المرضى في شرائها لأنها لن تكون صالحة لتحقيق الغرض المطلوب.

 

(3) التعديل الجيني

لي مقال منشور عن النقاشات الفقهية حول تطبيق هذه التقنية على البشر خصوصاً، ويظهر في هذه النقاشات حرص الفقهاء المعاصرين على ضرورة احترام مبدأ كرامة الإنسان وحرمة جسده في كل الأحوال، ولذلك يميل معظم الفقهاء المعاصرين والمؤسسات الفقهية إلى اعتبار التعديل الجيني للنبات والحيوان أخف وطأة وأقل إشكالاً من التعديل الجيني للإنسان، وشروط إباحته تكون مخففة في الغالب، ومنها ما ورد في توصيات ندوة المنظمة الإسلامية في ندوتها عن الهندسة الوراثية وهو عدم تخطي "الحاجز الجيني بين أجناس مختلفة من المخلوقات قصد تخلیق كائنات مختلفة الخلقة بدافع التسلية أو حب الاستطلاع العلمي". وفي التجربة التي نحن بصددها، يصعب القول بأن التعديل الجيني قد تخطى هذا الحد، بل إن طريقة التعديل المستخدمة قد تؤدي إلى قبول أوسع بين أوساط بعض الفقهاء الذين يربطون بين تحريم الخنزير والضرر الجسدي الذي يلحق بالإنسان من تناول الخنزير. ذلك أن هذا التعديل الجيني كان الغرض منه في الأصل تصنيع لحوم أو منتجات دوائية خالية من جزيء السكر الذي أشرنا إليه سابقاً، والذي يوجد في الثدييات عموماً ومنها الخنزير. ويتسبب دخول هذا الجزيء في جسم الإنسان، عن طريق تناول اللحم أو مشتقاته الدوائية، في القيء وهبوط في ضغط الدم وصعوبة في التنفس وغير ذلك من الأعراض المرضية لدى الأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه اللحوم الحمراء تُعرف بـ"حساسية ألفا جال (Alpha-Gal allergy)". فمَن يربط بين التحريم والضرر سيرى أن التخلص مما يلحق الأذى بالإنسان أمر حسن ولا اعتراض عليه من حيث المبدأ.

 

خلاصات وملاحظات نقدية

ناقش الفقهاء والمؤسسات الفقهية في السابق كثيراً من الأسئلة المتعلقة باستعمال بعض أجزاء الخنزير أو مشتقاته للطعام والدواء. ويكاد الجميع أن يتفق على حرمة هذا الاستعمال من حيث المبدأ ولا يجيزونه إلا عند وجود الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، ومن ذلك ما ورد في توصيات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها المنعقدة في عام 1997 فيما يتعلق باستعمال الصمامات القلبية المأخوذة من الخنزير. ولعل فتوى الأزهر الشريف المنشورة عبر منصة "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية" في 25 أكتوبر 2021 قد تضمنت أكثر المواقف تفصيلاً بشأن الحدث العلمي الذي نناقشه هنا. وقد أكدت الفتوى أن الأصل في الانتفاع بالخنزير أو بأجزائه هو الحرمة لأن الشرع حَرَّم التداوي بكل ضار، ولذلك يحرم زرع كلية خنزير في جسم الإنسان من حيث الأصل. وأكدت الفتوى على أن هذا الإجراء يجوز فقط على سبيل الاستثناء عند وجود الضرورة الملجئة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، والتي تتحقق بفقد البديل الطاهر ووجود غلبة الظن بأن الضرر المترتب على الزرع أقل من عدمه. وفي الختام، أشارت الفتوى إلى أن زرع كلية الخنزير في بدن الإنسان لا يزال في طور التجريب، مما يشير ضمناً إلى عدم تحقق شرط "غلبة الظن" بَعْد.

ولنا عدد من الملاحظات النقدية على الخطاب الفقهي حول استعمال الخنزير عموماً وزراعة كليته في بدن الإنسان خصوصاً. ولضيق المقام هنا، سنكتفي بالحديث عن الملاحظات المتعلقة فقط بمفهوم الضرورة في هذا السياق.

ينظر جُلُّ الفقهاء المعاصرين إلى مسألة تحديد الضرورة باعتبارها مسألة علمية يفصل فيها أهل التخصص من العلماء والأطباء وحدهم. لكنني أظن، والله أعلم، أن الأمر في حاجة إلى مزيد تمحيص وتدقيق. فالحديث عن شرط "فقد البديل الطاهر" يَفترض سلفاً أن البحوث العلمية ستنظر أولاً في إمكانية الحصول على أعضاء مأخوذة من حيوان طاهر وبعد التأكد من عدم نجاح التجارب على هذا النوع من الحيوانات سيتم اللجوء إلى الخنزير من باب الضرورة. وينطوي هذا التصور على عدد من الإشكالات، فالأبحاث التي تجري في هذا الميدان تتم في بيئة علمية وأوساط غريبة لا ترى دوراً للمعتقدات الدينية في تحديد أولوياتها أو طريقة عملها، ولعل جُلَّ أو كُلَّ الباحثين المشاركين في مثل هذه التجارب لا يتصورون أصلاً وجود إشكالات تدعوا إلى استبعاد الخنزير، طالما أن هذا لن يؤثر على موثوقية النتائج العلمية التي سيتوصلون إليها. وقد أشارت بعض الآراء صراحة إلى أن شيوع تناول لحم الخنزير في المجتمعات الغربية، حيث تستهلك الولايات المتحدة فقط 120 مليون خنزير سنوياً، يجعل استخدام أعضاء الخنزير في زراعة الأعضاء أقل إشكالاً من الناحية الأخلاقية في نظر الكثيرين.

والدرس المستفاد هنا هو أن البحث العلمي، مهما كانت حياديته وموضوعيته في الجوانب العلمية، يبقى مرتبطاً وبشكل عضوي بالقيم السائدة في المجتمع، والتي تؤثر في اختيارات الباحث وتحديد أولوياته. وقد ورد في التراث الإسلامي ما يفيد معرفة المسلمين باستخدام أطباء اليونان للخنزير وشحومه في مجال التداوي والعلاج. وقد ذكر صاحب أكبر موسوعة عن الحيوان في الفكر الإسلامي، أبو عثمان بن بحر الجاحظ (ت. 255/868)، أنه "إذا نقص من الإنسان عظم واحتيج إلى صلته في بعض الأمراض لم يلتحم به إلّا عظم الخنزير". ومع هذا كله، بقي استخدام الخنزير في مجال التداوي هو الاستثناء لا القاعدة وبقي اشتراط الفقهاء فقدان البديل الطاهر على حاله، بل إن طبيباً مرموقاً في تاريخ الإسلام مثل ابن سينا (ت. 427/1037) أشار أكثر من مرة في كتابه "القانون" إلى النصارى عند الحديث عمن يقول ببعض فوائد الخنزير الصحية، ومن ذلك قوله "وَخير لُحُوم الْوَحْش لحم الظباء مَعَ ميله إِلَى السوداوية. وَقَالَت النَّصَارى وَمن يجْرِي مجراهم بل خير لُحُوم الْوَحْش لحم الخنزير البري".

وكل هذا يوضح أن المنظومة القيمية الحاكمة في المجتمع المسلم تختلف في نظرتها للخنزير عن منظومة المجتمع اليوناني قديماً والغربي حديثاً. وبالتالي، فمن أراد التحقق من وجود الضرورة بشروطها عليه أن يعمل كذلك على وجود بيئة علمية تعمل ضمن المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمعات المسلمة دون الاكتفاء بلعب دور "المستهلك" الذي ينتظر من "الغير" أن يقوم بالتجارب والبحوث العلمية ثم نأتي "نحن" لنستخدم التقنيات بعد الاطمئنان إلى فاعليتها ونجاحها بشكل يصل إلى اليقين أو شبه اليقين. وفي المقابل، علينا أن ندرك أن الحكم على الممارسة العلمية، ومثالها هنا تجربة زراعة خنزير في جسم إنسان، لا يمكن أن يقتصر فقط على النظر في المنافع الطبية والصحية. فكل العقلاء، شرقا وغربا، يدركون تماما أن الممارسة العلمية مرتبطة كذلك بمنظومة قيمية حاكمة، ولكن لا يزال البعض منا يتحرج من ذكر الإسلام عند الحديث عن تقييم المنجزات العلمية الحديثة.